بخيط من حرير اللغة الرصينة جسّر الشاعر محمد يعقوب المسافة بين “الفيزياء” و”الشعر” واصفًا الأولى ب”هندسة الكون” والثانية ب”هندسة الروح”.. مقدمًا ديوانيه “رهبة الظل” و”تراتيل الغربة”، متحفّزًا لتقديم ديوانه الثالث في غضون الشهرين المقبلين حاملاً عنوان “جمر الذين مرّوا”.. تجربته في مسابقة “أمير الشعراء” التي نال فيها المركز الثاني لم تخلُ من أسى عندما اكتشف أن أكثرهم يجهلون شاعرًا سعوديًّا بقامة محمد الثبيتي، نافيًا أن يكون للواسطة أي دور في فوزه بالعديد من الجوائز التي نالها من الأندية الأدبية.. ينحاز بنبل لقصيدة التفعيلة، ويراها في مأمن من غوائل الانقراض، مشيرًا في ذلك إلى أن صراع البقاء يحاصر القصيدة العمودية أما قصيدة النثر فيحاصرها صراع إثبات الوجود.. أما تجربته مع أدبي جازان فخلاصتها أنه يدعو أعضاء المجلس الحالي ل”الصدق”.. مع قراءة لجوانب أخرى طي هذا الحوار مع الشاعر محمد يعقوب.. * متى لمست الشعر في داخلك.. وهل تذكر أول قصيدة كتبتها؟ لم أعد أذكر ، لكن لدي اعتقاد أن للشاعر ملامح قد لا تظهر جلية منذ البدء لكنها تكشف عن نفسها من خلال علاقة الإنسان بالأشياء من حوله، وكيفية تمثلها، حتى لو تأخر التعبير عن ذلك. أجل، من خلال التجربة ذاتها تتبين الأخطاء، وتنضج الروح على حطب الخيبات والنبوءات شيئًا فشيئًا، ولكن تظل للشاعر ملامح تتشكل عبر تكوينه، في أي مرحلة تكتمل لا أظن أن أحدًا يعلم! أما بخصوص أول قصائدي الشعرية، فأنا أذكر أن هناك محطات خلال تجربتي الشعرية القصيرة تتمثّل في قصائد بذاتها كانت مرحليًّا نقاط تحوّل، أذكر منها “آخر الصحو”، “حشرجات راقصة”، “رهبة الظل” في ديواني الأول “رهبة الظل”، ثم قصائد “كالتي مرّت ونحن ظلالها”، و قصيدة “تراتيل العزلة” من ديواني الثاني “تراتيل العزلة”.. وربما غيرها عند الآخرين! هندسة الروح * كيف استطعت أن تجمع بين الشعر واللغة العربية وتخصصك الأكاديمي في الفيزياء؟ الشعر هندسة الروح، والفيزياء هندسة الكون، وبينهما ما بين الإنسان والكون من عناء الكشف ولذة التجلي.. الشعر نعمة يهبها الله لمن يشاء، عصيّ التكوين، يأخذ بالروح إلى حيث المرايا التي تصقلنا بقسوتها، فلا نستطيع مع الشعر أن نحدد نقطة البدء ونقطة الوصول، نهذي فقط بما نظنّه كلامًا عابرًا، وهو صرخة الرعشة الأولى تقول عنا ما لم نقله.. الشعر والتخصص العلمي * نلحظ عنايتك الواضحة باللغة العربية.. فلمَ لمْ تتخصص فيها بالجامعة؟ اللغة جسد والشعر روح لا أقل ولا أكثر، ليس كل من درس اللغة العربية كتب الشعر، وكم من شاعر جاء من خارج إطار الدراسة اللغوية، كما تقول، الشعر كائن آخر غير ما نعرف وما نتوقع. وقد يكون الكلام مكرورًا إذا قلنا إن هناك الكثير من الشعراء الذين برعوا وتميزوا وهم ذوو تخصصات علمية بعيدة عن مجال اللغة العربية والأدب منهم إبراهيم ناجي الذي كان طبيبًا، وعلي محمود طه الذي كان مهندسًا وغيرهما.. محطات شعرية مفتاح الحب * مع تفاوت أغراض الشعر.. في أيٍّ منها تجلى إبداعك الشعري؟ لا أدري، أظن أن البدايات؛ أي بدايات شعرية، يكون الهاجس فيها بالشؤون الخاصة، تكون المواضيع ذاتية ورومانسية، واللغة بريئة، صادقة وساذجة في آن، الحب والوطن الكبير والذاتية المفرطة، والحساسية النافذة.. أذكر أن الناقد الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح كتب عن ديواني الأول “رهبة الظل” في تعليق على قصيدة “رهبة الظل” ومنها: فيا أيها العمر الذي قام دونهُ طموحي الذي أشقى به وأكابرُه لقد كنتُ أرجو هدأة الحب في دمي ولكن بعض الحب.. تبلى سرائرُه قال المقالح: (لا أريد أن أقول إن الحب وحده هو الذي جعل محمد إبراهيم يعقوب شاعرًا، فالحب مهما كان حجمه واندفاع طاقته لا يستطيع أن يصنع الموهبة، لكن ما أردت قوله إن الحب هو الذي أطلق موهبة الشاعر من الأسر وجعلها تنطلق وتشدو بهذا المستوى من الشعر العذب الجميل..). ولكن في مراحل متقدمة من تجربة الشاعر تتشكّل لديه فلسفة خاصة، رؤية للشعر تحدد هوية الموضوعات، وبوصلة المعالجة لكل موضوع، يتسع الأفق الشعري بقدر ما تتضاءل الذات أمام قسوة بين أن ترى ما لا يرى، أن تبادر وتقول ما لم يقل، وبين أن تقف في صف يعرفك الجميع ولا يعرفك فيه أحد!! دواوين منجزة * قدمت ديوانين سابقين.. فما مدى رضاك عنهما؟ نعم، أصدرت ديوانين الأول (رهبة الظل) في العام 2001 م، والثاني (تراتيل العزلة) في العام 2005 م، راضٍ عن الديوانين، ولكن أعتقد أن (رهبة الظل) أخذ اهتمامًا مني أكثر من الثاني من حيث توزيعه، لذلك وصل لشريحة أكبر من المتلقين، وأخذ نصيبًا مميزًا من القراءات النقدية من كثير من النقاد السعوديين والعرب. أما (تراتيل العزلة) فأعتقد أني قصّرت في مسألة توزيعه، وهذا يعود لكوني كنت في فترة إيفاد للتدريس خارج المملكة في دولة تركيا تحديدًا لمدة أربع سنوات، وقد صدر الديوان في تلك الفترة، فلم يأخذ حظه من التوزيع وبالتالي من الاهتمام النقدي، ولربما يعود إليه النقاد فيما بعد.. * ماذا ستقدم في الفترة المقبلة؟ أنا أستعد الآن لإصدار ديواني الثالث بعنوان (جمر من مرّوا) في دار نشر لبنانية، وسيصدر خلال شهرين من الآن على الأكثر بإذن الله، وأزعم أن فيه جديدًا، وإن كان الحكم للمتلقي أولا وآخرًا. أمسيات ومنابر * لا بد للشعر من منبر.. فما هي أبرز الأمسيات الشعرية التي شاركت فيها؟ يظل عبق البدايات خاصًا وشفيفًا. لا زلت أذكر أول أمسية شعرية لي، وكانت في نادي جازان الأدبي، وأذكر عندما صعد القامة الهائلة الشاعر إبراهيم مفتاح رأيته مجرّة تتحرك، أما الآن وقد عرفته إنسانًا أيضًا فهو كونٌ بأسره. أتذكّر عندما صعد ليعلّق على الأمسية وقد كانت من أربعة شعراء أنا من بينهم، وقد أثنى على الجميع، لكن كانت له وقفة معي؛ بل وذكر بعض مقاطع مما قلت، لا زلت أشعر بلذة تلك اللحظات حتى الآن.. وم ثم توالت الأمسيات بعد ذلك ولا شك، من أبرزها ملتقى الشارقة للشعر العربي، مهرجان موريتانيا الشعري الأول، مهرجان دبي الدولي للشعر مع الشاعر الجميل عبدالله الصيخان، وفي الدوحة ومسقط وأبوظبي وغيرها كثير.. دهشة وأسى * نلت المركز الثاني في مسابقة أمير الشعراء.. بم خرجت من هذه التجربة؟ في البدء علينا أن نعترف بوجود فجوة تلقي بين الشعر الفصيح والمتلقي لأسباب كثيرة لا سبيل لحصرها الآن. هذا إلى جانب أن شعراء الفصحى نخبويون في الأغلب، ولذا فإننا نحتاج إلى مدّ جسر مع الناس، وأنا لست مع من يقول إن شعر الفصحى ليس لكل الناس بل لفئة معينة لديها من الوعي والإدراك ما يكفي لفهم ما يكتب، فهذا الزعم لا يستقيم إذا ما نظرنا إلى ما ينشر الآن من كلمات غامضة، أحيانًا حتى الشاعر نفسه لا يفهم ما يقول، لكل هذا فإن شعر الفصحى بحاجة إلى تجديد في التعاطي مع الصورة التي يخرج من خلالها إلى المتلقي. المسابقات ليس الحل بالتأكيد، ولكن علينا أن نحاول بوسائل جديدة، أن يرى هذا الشعر نفسه من خلال الناس.. كيف لا تسألني أنا، فوزارات الثقافة أكثر من يستطيع الإجابة على هذا السؤال.. تجربتي مع برنامج (أمير الشعراء) على ما فيها من مكاسب إعلامية، إلى جانب تعالق ثقافي مع تجارب عربية مختلفة، إلا أنّ لها أوجهًا لا تكاد تخلو من أسى، فمن خلال مشاركتي دهشت كم نحن مقصرون كمؤسسات ثقافية في إيصال إبداعنا إلى الآخرين، شاعر بحجم محمد الثبيتي إبداعًا لا يعرفه الكثيرون، الثبيتي فعل كل ما يستطيع، كتب شعرًا عظيمًا، أخلص لتجربته، ماذا عساه أن يفعل أكثر، من المسؤول عن وصول أصواتنا عربيًّا، وما هي السبل لذلك، يظل السؤال مفتوحًا... نكهة أبها الخاصة * وماذا عن جائزة أبها الأخيرة في مجال الشعر والتي كانت من نصيبك؟ أنا أعتز بحصولي على جائزة أبها فهي تعتبر أكبر جائزة لديوان شعري في المملكة. يمتد عمر هذه الجائزة لسبعة وثلاثين عامًا، ولقد ضمّت أسماء إبداعية متميزة على مدى تاريخها.. يقول لي البعض إن الجائزة جاءت متأخرة، أقول.. ربما، ولكن طريقة المشاركة كانت سريعة، تقدمت للجائزة في شهر رجب وأعلنت النتائج في شهر شوال، كان ديواني الذي فاز بالجائزة جاهزًا للطباعة، قلت ولم لا! ثم إنّ الجائزة تحمل إسم (أبها) وأنا عاشق لأبها، دراستي الجامعية في أبها، أول نصوص نشرت لي وأنا طالب جامعي في أبها، أول أمسية لي خارج منطقة جازان كانت في أبها، أول مجلة من مجلات الأندية نشرت لي كانت (بيادر)، ناهيك عن أن لمثقفي أبها نكهة خاصة وحب خلاق لجميع مثقفي الوطن. جائزة الدولة التقديرية * هل ترى ل”الواسطة” أي ظلال على فوزك بالجوائز العديدة الأخرى التي نلتها في مجال الشعر؟ بالواسطة طبعًا، بواسطة القصيدة، ولكن دعنا من هذا.. أنا شاركت في الكثير من المسابقات وحصلت على الكثير من الجوائز، لذا سأتحدث إليك من واقع تجربة، الجائزة وحدها لا تعني شيئًا إلا بقدر شمليتها وحجم التطلّع إليها من كافة أطياف الإبداع في المشهد الثقافي، أنا أتساءل: أين جائزة الدولة التقديرية.. أتساءل لم لا تصهر جوائز الأندية كلها في جائزة العام تتبناها وزارة الثقافة والإعلام، تكون لأفضل ديوان شعري، وأفضل مجموعة قصصية، وأفضل رواية، في العام الواحد، وتسند إلى لجنة تجكيم من نقّادنا المتميزين وهم كثر، سيكون وقعها أكبر على المبدع وعلى المتلقي، هل تعتقد أن وزارة الثقافة والإعلام تقرأ ما نقترح، وتسمع ما نقول! صراع البقاء * برأيك لماذا لم يعد لشعر التفعيلة حضوره القوي كما كان في السابق؟ من قال لك هذا، شعر التفعيلة حاضر وبقوة، بل هو الآن خارج المنافسة، الصراع الآن، هل تستطيع القصيدة العمودية البقاء.. وهل تستطيع قصيدة النثر إثبات الذات.. أما قصيدة التفعيلة فلا خلاف حولها.. وأنا هنا أريد أن أقول إن الشكل الشعري لا يمكن أن يحاكم النص، الشعر شعر، أيًّا كان الشكل الذي يكتب به، أنا لا زلت أظنّ، وهذه قناعاتي، أنّ القصيدة العمودية، كما تسمى، تستطيع أن تكون قصيدة حديثة بامتياز، ولكن من أساء إلى القصيدة العمودية هم أنفسهم الشعراء الذين يكتبون بها، من خلال اجترار التراكيب، وتقليدية المضامين، والمباشرة الساذجة، واللغة البائسة.. القصيدة العمودية ساحرة، والسحرة نادرون! تنافس الشعبي والفصيح * أي أي حد ترى طغيان الشعر الشعبي على الفصيح؟ هذا حديث يقسو على الفن كثيرًا، ليس هناك من تعارض، عني شخصيًّا لا أرى علوًّا أو دونية للشعر الفصيح على الشعر الشعبي أو العكس، ولكن هناك أسباب كثيرة لجماهيرية الشعر الشعبي وانعزال الشعر الفصيح ندركها جميعًا، ولكن أهمها التسويق، ولا يغضب مني شعراء الفصحى، هناك قمم شعرية لدينا في السعودية مثلاً، ولكن من يتولى إيصالها إلى الذائقة الشعرية، إننا نرضى بأمسية لا يحضرها إلا المنضّمين وانفضّ السامر، تلك مسؤولية الجهات التي وضعت من أجل خدمة الثقافة، هل فكرت في طرق متجددة لخدمة شعر الفصحى! تجربة موجعة * بوصفك أحد أعضاء أدبي جازان الفاعلين.. أي شيء أضافه النادي لك؟ أولاً أنا لست عضوًا في مجلس إدارة نادي جازان الأدبي حتى لا تظنّ بي الظنون، لقد كنت يومًا عضوًا في ما سمّي حينه (اللجنة الثقافية) مكونة من مجموعة أعضاء أذكر منهم القاص الجميل أحمد القاضي والقاص والناقد علي زعله.. كانت من أجمل أيامي الثقافي ، إذا جاز التعبير، ولقد دوّنت تلك الفترة من خلال قصيدة (السادرون) في ديواني الثاني، لقد كنا نعمل بصدق، نسابق أنفسنا دون أن ننتظر شيئًا، كنا نؤمن بأننا نستطيع أن نغيّر شيئًا، وأن نضيف شيئًا، وأظننا فعلنا، لقد أضافت لنا التجربة مكوّنًا ثقافيًّا باهض الثمن حينها، ولكنه حتميّ، لنكون ما نحن عليه الآن، ولقد أضفنا للنادي وللجنة الثقافية حينها الكثير، الآن ننظر للتجربة بابتسامة وبعض حنين، ونسأل لماذا كانت موجعة بهذا القدر!! صلاحية منتهية * من واقع معايشتك له عن قرب.. ماذا ينقص أدبي جازان؟ أنا أظن أن فكرة الأندية الأدبية ككل تحتاج مراجعة جادة من قبل وزارة الثقافة والإعلام، لقد قامت بدورها في فترات سبقت، ولكن الوضع اختلف الآن. وأرى أن هذه المرحلة تتطلّب آلية جديدة في ظل كل المتغيرات التي يشهدها المشهد الثقافي السعودي. أما عن نادي جازان الأدبي فهو المنارة الثقافية للمنطقة؛ كان وسيظل، ولكني أظن أن مجلس الإدارة الجديدة يحتاج الكثير من الصدق مع نفسه، فالذي يحدث على صفحات الجرائد وفي المنتديات وخلال الأنشطة وبعدها من انقسامات وتراشقات لا يخدم الثقافة في المنطقة، والمؤسف أنهم يظنون أن من يعلو صوته على صفحات الجرائد هو من سيحظى بثقة الوزارة لتعيينه مرة أخرى، إن المجلس بحاجة لمدّ جسور التواصل مع المثقفين، بحاجة لتفعيل الأنشطة وورش العمل، بحاجة إلى روح الفريق التي تكاد تكون معدومة في ظل التنافر وترصّد الأخطاء الذي يحدث من بعض أعضاء المجلس، الثقافة في المنطقة ليست كعكة يتقاسمها أعضاء المجلس، والخاسر الوحيد في كل هذه المعارك هو الثقافة ذاتها، عليهم إمّا أن يعملوا بصدق وحب ورؤية، وإمّا أن يفسحوا المجال لغيرهم، فالنادي كيان كان قبل أن يأتوا وسيظل بعد أن يذهبوا. إن كثيرًا من المثقفين في المنطقة، وأنا أؤكد ذلك، لديهم الاستعداد للعمل والتعاون مع أعضاء المجلس، فقط نريد أن نشعر أن جو العمل مع المجلس صحيّ، ويحفز على المجيء والتواصل، وأظنهم يدركون ابتعاد الكثير من المثقفين عن النادي على مستوى الحضور أو المشاركة أو التفاعل. آلية غير موفقة * كيف ترى إدارة النادي الحالية في مرآة السابقة.. وأيهما تفوّقت في ميدان العطاء؟ يقول الشاعر: ربّ يومٍ بكيت منه، فلمّا صرت في غيره، بكيتَ عليهِ لا شك أن التغيير كان حتميًا، إن لم يحدث اليوم فغدًا، وأعتقد أن المطالبات بلغت حدًّا من التطابق في معظم الأندية بضرورة التغيير، ولكنّ آلية هذا التغيير لم تكن موفّقة، من وجهة نظري على الأقل. في نادي جازان الأدبي لا اعتراض على الأسماء فكل منهم بل جميعهم يستطيع أن يمثّل ثقافة المنطقة، كلٌّ في مجال إبداعه، ولكني أظن الخلل في كونهم فريق عمل واحد، وأنا هنا لا أطالب بأن يكونوا نسخًا مكررة عن بعضهم، أبدًا، لكني أعتقد أن بعضهم أخفق في الانسجام مع زملائه الآخرين في المجلس، وبذلك تفرّغ البعض لإعاقة عمل البعض الآخر، وبطريقة أحيانًا فيها الكثير من الإساءة للمؤسسة ذاتها، مما أفقدها الكثير من شخصيتها الاعتبارية التي انعكست على تفاعل المشهد الثقافي في المنطقة مع النادي، وأظن أن هذا يظهر جليًا من خلال الحب والمشاركة والتفاعل مع أنشطة النادي، والذي خفت بشكل كبير، هذا إلى جانب أن المجلس لم يحاول تجاوز المجلس السابق بأفكار وخطوات نوعية، يستطيع من خلالها أن يحدث فرقًا يحسب له، أعتقد أن المجالس السابقة أدت دورًا مهمًا في مرحلة ما، لا أحد ينكر هذا، ولأن المرحلة القادمة تتطلّب فكرًا جديدًا يواكب المتغيرات التي تتحرك خلالها الثقافة الآن، كان لا بد من التغيير، لكن هل أحدث هذا التغيير الفرق المأمول، في نظر الكثير أن ذلك لم يحدث، إلا من اجتهادات شخصية في هذا النادي أو ذاك، تظل اجتهادات. في حضرة الذات * لو قدّر لك أن تنظر لذاتك في لحظة مكاشفة.. فكيف تراها؟ ذاتٌ حافلة بالتناقضات، معلقٌ بين خيبة التطواف ومسافة الحلم التي لا تنتهي، أحاول أن أكون أنا، أجد نفسي في الناس في فرحهم الشحيح، وآمالهم الساذجة، أجد نفسي في تراب الوطن الذي أتنفسه، أحبه، أعاتبه، أحنّ عليه، أتكوّم قربه، أعلّق كل يوم ورقة جديدة على جدار توهماتي، أسجل من خلالها امتناني للشعر، أتلمّس وجهه كأعمى لا يرى إلا بحاسة الهجس الذي يلوّح من بعيد، أخلق من لحظة التداعي لذة نافرة، ومن عصبية البدء غيمةً تتهيّأ، أوشك أن أكسر جرار الزمن، ولكني أمنّي النفس بما قد يأتي وقد لا يأتي.