أذكر أن الساعة كانت تشير إلى الحادية عشرة وأربعين دقيقة (صباح الأحد ما قبل الماضي) حين خرجت من مبنى الإذاعة، خطر ببالي أن أهاتفه بجوالي، رغبة مني في الاطمئنان منه على صحة أستاذنا وحبيبنا عبدالمقصود خوجة متعه الله بالصحة والعافية، بعد أن نشر خبر وجوده في المستشفى للعلاج. وسمعت صوت الأستاذ حسين الغريبي وكأني أسمعه لأول مرة، وعبرت له عن شوقي للقائه بعد أن غابت أمسيات ندوة الإثنينية الرائعة، وكان يعلم أني دائم الغياب لسفري. وطمأنني بخبر خروج ابي محمد سعيد، وذكر لي أن بالإمكان زيارته في منزله بين المغرب والعشاء بعد أسبوع، وتواعدنا على اللقاء معا خلال زيارتي المقررة لبيت الأستاذ عبدالمقصود العامر بيت الأدباء. وفي صباح اليوم التالي، جاءتني رسالة من الصديق الأستاذ الصحفي النشيط محمد باوزير نقلا عن الصديق الشاعر المكي الحبيب الأستاذ فاروق بنجر، كان مضمون الرسالة مفاجئا وصادما لمشاعري، حتى إني للوهلة الأولى شككت في صحة الخبر، لولا أنه جاء من مصدرين هما محل ثقة ومودة عندي. لكنها إرادة الله ومشيئته.. ولا راد لقضائه وقدره (انتقل إلى رحمة الله الأستاذ حسين الغريبي) وقلت حسبي الله ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون. الأستاذ حسين عاتق الغريبي مربي فاضل وشاعر من شعراء مكة المخلصين لها بعطائه وإبداعه. عرفته أول ما عرفته حين كان مشرفا على صفحات الثقافة والأدب في جريدة الندوة العريقة. له شعره الجزل ومقالاته الأدبية الرصينة، وفوق ذلك كله أنه أديب إنسان دمث الأخلاق، طيب المعشر، كريم الطبائع . كان رحمه الله مهذبا في كلماته حتى وهو يختلف مع الآخرين في وجهات النظر والآراء، إذ كان يحترم وجهة نظرهم ولا يسفه آراءهم. ويجادلهم بالحجة والمنطق والكلمة الطيبة. وأذكر ذات ليلة من ليالي الإثنينية أنه لم يرق له تصرف أحد الأدباء، مع إحدى مذيعات التلفزيون التي كانت تجري لقاءات مع الأدباء رواد الإثنينية، ولم تعجب الأديب الأسئلة، وأخذ يقلل من شأن المذيعة لضحالة ثقافتها لأنها لم تعرفه. وساء الأستاذ الغريبي تصرفه غير اللبق، لكنه عالج الموقف بحكمة وحسن تدبير. وقص علي رحمه الله ما حدث دون أن يذكر لي اسم الأديب بسمو خلقه وانسانيته. كان الأستاذ حسين الغريبي خلال السنوات الماضية (المايسترو) والوجه المشرق لإثنينية الأستاذ عبدالمقصود خوجة، والأستاذ الخوجة أشاد به في أكثر من لقاء، وبجهوده، فقد كان له نعم المعين في جمع تراث أدبائنا والاهتمام بضيوف الإثنينية. وأجدني في هذه اللحظة، لن أفيه حقه في رثائي له بهذه الكلمات. وقد أمضى حياته رحمه الله معلما وأديبا وصحفيا، وقد سطر صفحات حياته بسيرة حسنة وعطاء جدير بالإشادة والثناء. رحمه الله رحمة واسعة ينعم بها رب العباد على عباده الأبرار المخلصين.