* فقدت مكّة المكرمة - وهي موئل الرّسالة ومنبع العلم والمعرفة والأدب - في المدة الأخيرة عددًا من الرموز الفكريّة والعلميّة والأدبيّة، من أمثال الرائد والناقد الكبير عبدالله عبدالجبّار، والباحث والمؤرّخ والأثاري عاتق بن غيث البلادي، والرّائد في ميدان السّيرة النّبويّة والتّاريخ الإسلامي الدكتور محمّد عبده يماني، والباحث في علم المخطوطات الأستاذ محمّد عثمان الكنوي، وعددًا من المربين والأدباء والصّحافيين من أمثال الأساتذة هاني ماجد فيروزي، ومحمّد موسى المفرجي، والسيد زيد الكتبي، والسيد أحمد الحبشي، وعدنان باديب، وسواهم، كما سلّم الراية وطوى الشراع من بعدهم المربّي والمثقّف حسين الغريبي. * لقد ساهم المرحوم الغريبي في ميدان التربية والتعليم لمدة تقارب ثلاثين عامًا أو أكثر، ولم يشغله هذا الميدان عن الالتحاق بركب المثقّفين والأدباء، فعمل مشرفًا على ملحق الأدب في صحيفة الندوة، وأميل إلى أنّ ذلك كان في الحقبة التي رأس فيها تحرير «الندوة» الزميل الكريم الدكتور عبدالرحمن العرابي، وللتّاريخ فإنّ ملحق الندوة الأدبي - في نهاية الثمانينيات الهجرية والتسعينيات الهجرية - كان من أبرز الملاحق الأدبيّة في الصحافة الأدبيّة في بلادنا، وكان يشرف على تحريره أستاذنا الأديب الدكتور صالح جمال بدوي، الأستاذ بجامعة أم القرى، وقد انقطع الدكتور بدوي عن تحريره مدّة مواصلته للدراسة في بلاد الغرب، وتحديدًا في جامعة مانشستر فكتوريا، وذلك في الفترة من 1970- 1976م، وتحت إشراف المستشرق المعروف كليفورد بوزورث Clifford Edmund Bosworth، ثمّ عاد لتحرير الملحق حتى نهاية التّسعينيات الهجريّة، ثُمّ أعقبه في تحريره الأستاذ والمربي المعروف محمّد موسم المفرجي. وفي هذه الحقبة دارت معركة أدبية بين أنصار الحداثة ومناهضيها، وكان المفرجي - رحمه الله - من فئة المناهضين لهذا التوجه الأدبي الجديد. * وللتاريخ فإنّ ملحق الأربعاء في هذه الحقبة بإشراف فقيد البيان والصحافة المرحوم الأستاذ محمّد صادق دياب فتح الباب أمام جميع التوجّهات الأدبيّة على اختلاف منازعها ومشاربها، وظلّ الملحق ملتزمًا بهذا التوجه إلى هذه الحقبة، بينما اتخذت بعض الملاحق الثقافية والأدبية - آنذاك - مواقف آحاديّة، حتّى هدأت المعركة وانقشع غبارها. * كان المرحوم الغريبي أيضًا - في فترة إشرافه على ملحق الندوة الأدبي - صاحب رؤية ثقافيّة شاملة، تعكس تلك النّفس الطّيبة المليئة بحبِّ الحياة والالتصاق بالناس على مختلف ميولهم ونزعاتهم، ثمّ ما لبث أن عمل مستشارًا ثقافيًا بإثنينيّة الأديب الأستاذ عبدالمقصود خوجة، وساهم في إخراج بعض المؤلّفات التي عرفت باسم «كتاب الإثنينيّة»، وعندما عزم الأستاذ الخوجة مدفوعًا بحبّ الأدب ورعاية إنتاج روّاد الأدب السعودي بالاحتفاء بمئويّة الشاعر الكبير الأستاذ حمزة شحاته، كان المرحوم الغريبي ضمن اللّجنة التي اختارها الأستاذ الخوجة لهذا الغرض، وضمّت كلاً من الأساتذة الكرام: محمّد صالح باخطمة، وعبدالفتّاح أبو مدين، وحسين الغريبي، وعبدالله فرّاج الشّريف، والدكتور محمود زيني، والدكتور جميل مغربي، والدكتور عاصم حمدان، والدكتور محمّد الحسن المحجوب، وكان الأستاذ الخوجة يحضّر بعض هذه الاجتماعات تاركًا للأعضاء حرّية المناقشة في شأن الإنتاج الشعري والنثري لهذا الرائد الكبير، وخصوصًا بعد أن زوّد الدكتور هشام جمجوم الإثنينيّة بما تحتفظه مكتبة والده المرحوم محمّد نور جمجوم من قصائد مخطوطة، ومجموعها أربعون قصيدة، وما زوّد به كلّ من الأستاذين الكريمين محمّد صالح باخطمة ومحمّد سعيد طيب، منتدى الإثنينيّة ما يحتفظان به من رسائل دارت بين الأديب شحاته في منفاه الاختياري ومعاصريه، وخصوصًا تلك الرّسائل العميقة في معناها والرّفيعة في أسلوبها الأدبي التي تبادلها مع صديقه الأستاذ الأديب محمّد عمر توفيق، ونشرت جامعة أم القرى بعد وفاة المرحوم توفيق عددًا منها في كتاب مستقل بإشراف الدكتور صالح بدوي وضمن المجموعة الشاملة للإنتاج الأدبي الأستاذ محمد عمر توفيق نفسه. * يذكر الأستاذ الخوجة في المقدّمة الضافية التي كتبها للمجموعة الكاملة للأديب شحاته، والتي صدرت في ثلاثة أجزاء، أنّه عَهِدَ بعد عمل اللّجنة المذكورة التي كُوّنت لهذا الهدف العلمي، عهد بمجموع أعمال الرائد شحاته إلى لجنة متخصّصة من جهاز الإثنينيّة، تمكّنت بعد مخاض طويل وجهد كبير استمر زهاء العامين، لإنجاز العمل المطلوب بحثًا وتحقيقًا، ويبدو أنّ المرحوم الغريبي كان من ضمن هذا الفريق إلى جانب زميله الدكتور محمّد الحسن المحجوب، وربّما سواهما من العاملين بتواضع وصمت برعاية ومتابعة صاحب هذا المنتدى الذي أثرى الحياة العلميّة والأدبيّة في بلادنا لمدة يقارب الثلاثين عامًا. ولعلّي حاولت في هذه العجالة أن ألقي شيئًا من الضوء على مساهمة المربّي والأديب الغريبي في حقول التّعليم والأدب والصّحافة، ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته، بعد أن لقي ربًا كريمًا ومحسنًا.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.