* لن أتحدث عن القصور والإهمال والأخطاء الطبية بعمومها في القطاع الصحي؛ مما تواجهنا به كل صباح مختلف الصحف اليومية، فتلكم قضية تطول وتطول، و(يا عالم) متى ستنتهي؟! وكيف؟! ولكني سأدخل مباشرة إلى قضيتين مأساويتين وردتني من أصحابهما وأنقلهما إليكم معالي الوزير كما وردتني تفاصيلها. * القضية الأولى.. قضية «كوثر».. شابة من شابات هذا الوطن، تعمل مربية أجيال في إحدى مدارس مكةالمكرمة.. دخلت إحدى المستشفيات الحكومية (أحتفظ باسمه) على قدميها، وخرجت منه على نعش.. كانت «كوثر» تشكو من صداع في رأسها، (بالكاد) وجد لها المستشفى سريرًا في قسم الطوارئ، ومعاناتنا مع (الأسرّة البيضاء) عملية (مستعصية)، وتشكل هاجسًا لأكثر المرضى الذين يراجعون تحديدًا مستشفياتنا الحكومية، فإن تجد لمريضك سريرًا فأنت محظوظ في وقت أصبح (السرير) أغلى من الذهب، وفي وقت كانت تُمنينا وزارة الصحة على لسان مسؤوليها بأنها ستقضي على هذه المعاناة تمامًا، وأن المريض لن يجد عناء في الحصول على سرير، بل ووصلنا في أحلامنا إلى الاعتقاد بأن السرير سيأتي للمريض في بيته، قبل أن يجده داخل حجرات مصحاتنا!! * مضت السنون وذهب (الوعد) الذي تحدّثوا عنه، كما تذهب المواعيد الأخرى في كثير من مشاريعنا عبر الجهات المختلفة، وفي ظني أن القضية ليست في (موعد) بقدر ما هي في فهم واقع النماء السكاني والتحول الذي نعيشه، والذي يبدو أننا تفاجأنا به، فرحنا (نرقع) هنا وهناك، وتظل الحلول الجذرية هي المطلب الذي لم يتحقق بعد.. وكثير من مدارسنا المستأجرة (كعلب) الصلصة ليست ببعيدة عما نقول!! * المهم «كوثر» دخلت قسم الطوارئ وواجهت الإهمال، إلا من ذلك المحلول الذي نعلقه في يد كل مريض. المرض يزداد على «كوثر»، ويقولون في الطوارئ: إن كل الفحوصات الطبية عادية، وإن الحالة عادية، وحين كان يُكثر أهلها في الإلحاح كانوا يُواجهون ببرود في ردة الفعل وبلغة ساذجة جدًا.. «ليست بنتكم وحدها عندنا فغيرها كثير». وما كان على أهلها إلا مواجهة الموقف بالصبر المر.. وبعد عدة ساعات دخلت كوثر في غيبوبة، وهنا يكتشف الطيبون بعد كشوفات متأخرة بأن الصداع هو جلطة!!. وبدأت الحالة تسوء وبدأ صياح (الأهل)، لكن المستشفى كان يتحرّك ببطء، فمثل هذه الأمور عادية عندهم، بل وعلى ما نقله لي أهلها -والعهدة على الناقل- أن هناك من كان يُبادرهم بالعزاء، على اعتبار الحالة ميئوس منها، في الوقت الذي لازالت فيه (المسكينة) بين أيديهم حية ترزق!!. وعلى ذمة أهلها أيضًا؛ فإنهم لم يروا الاستشارية القائمة على حالتها إلا بعد عدة أيام. حاولوا نقلها إلى مستشفى آخر، لكن الأطباء كانوا ينصحون بعدم نقلها، رغم أنهم قالوا بأنها تحتاج إلى فتح الجمجمة، وأن ذلك ليس ممكنًا لديهم!!. * المهم دخلت «كوثر» في غيبوبة لأكثر من عشرين يومًا؛ وأهلها ينتظرون ويحترقون بالجمر ولا يملكون غير دموعهم وحسراتهم على الحال الذي وصلت إليه ابنتهم، ويشتكون إلى الله أولاً هذا الإهمال في مواجهة الحالة قبل أن تسوء!! * بعدها لفظت «كوثر» أنفاسها الأخيرة وخرجت من المستشفى -الذي دخلته بقدميها- على (نعش)، مخلفة رضيعًا كانت تطالب أهلها أن ترضعه قبل أن تموت، وطفلة لازالت تسأل لماذا لم تعد أمي إلى الآن؟!! * أهل «كوثر» يسلمون بقضاء الله وقدره، لكنهم لم يسكتوا على هذا الإهمال وهذا التراخي؛ الذي واجهوه لحظة بلحظة، لذا تقدموا بشكاوى إلى إمارة مكةالمكرمة وإلى حقوق الإنسان وإلى الشؤون الصحية التي فتحت تحقيقاً في القضية، وأرجو ألا تُقيّد ضد مجهول، وعليهم احتساب فقيدتهم عند خالقها!! * هذه الحالة أنقلها إلى معاليكم بكل تفاصيلها المأساوية، وما لم أقله قد يكون أكثر ألمًا، وبالتأكيد فإنها لن تمر فوق طاولة معاليكم مرور الكرام!!. * القضية الثانية.. مواطن آخر يقول بأنه أدخل زوجته إحدى المستشفيات الأهلية في جدة (نحتفظ باسمه)، وكانت حامل بتوأم وفي ستة أشهر، أصابها نزيف، أسلبت أحد الأجنة والآخر تم إخراجه من بطنها بعد عملية جراحية، تم استلام أحدهما والآخر لم يستلمه، وحين طالب باستلامه كانت المواعيد وتصرفات المستشفى توحي له بريبة (ما)، وبعد إلحاح اكتشف الحقيقة المُرّة، إحدى عمالة المستشفى رمته مع المخلفات، صعق الأب وجن جنونه.. راجع إدارة المستشفى والأطباء وكل يرمي به على الآخر.. حاولوا إسكاته وترضيته!! (خذ ما دفعت وارحل). اتصل بصاحب المستشفى الذي وعده بأن ينظر في الأمر، وأخيرًا أخبره بالحقيقة.. (تم رمي الجنين في النفايات بطريق الخطأ ولا أحد يدري أين هو، وسوف يتم محاسبة العامل على ذلك.. وأنت اسأل شيخ عن ذلك) هل يعقل هذا؟ نرمي جثة في المخلفات؟! الأب المكلوم، سقط في يده ويكاد يموت كمدًا، ولا يدري ماذا يفعل غير أن يطرق كل الأبواب لأخذ حقه.. فهل سيجده؟!! * هذه القضية وسابقتها ليستا بالقضيتين العاديتين.. إنهما يمثلان مأساة حقيقية تستكتب بالدم وبالدموع.. ومن أطرافها يمكن معرفة كل الحقائق. * (يا سادة) الأخطاء والقصور الطبي ليست بأمور عادية يمكن تجاوزها بسهولة.. إنها الصحة.. وإنها حياتنا، وهذه لا نقبل المساومة فيها ولا المزايدة عليها. * إن مناشدة الناس وزارة الصحة بتكثيف الأدوار الرقابية على مرافقها الصحية يسابق مناشدتهم في إيجاد مستشفيات تستوعبهم، وإلا ما فائدة مستشفى حين يدخله المريض على قدمين ويخرج منه على نعش؟؟!!