أقام الوعد الثقافي السعودي والجمعية العمانية للكتاب والأدباء عدة فعاليات بالتعاون مع الملتقى الأهلي الثقافي، جمعية فتاة الريف، وجمعية الشعر الشعبي وأسرة الأدباء البحرينية أسبوعا ثقافيا لشعراء عمانيين في منتصف يوليو 2008 ويعد هذا التعاون ثمرة للجهود التي يقيمها ملتقى الوعد للتواصل بين المثقفين في دول المنطقة وإثراء المشهد الثقافي باستشراف التجارب الخلاقة . لم يكن المشهد العماني غريبا، فقد كانتْ الهُتافاتُ مُزدانة، والحضور كانَ على وعي بتجارب الشعراء العمانيين، كما أن الجمعية العمانية للكتاب والأدباء برئاسة الشاعر الجميل ناصر البدري كانَتْ حاضرة بوعي مؤسساتي من خلال الشعراء المنتمين لها والمشاركين ضمن الفعاليات، وهي خطوة جيدة لتوثيق أواصر القُربى بين الشعراء الخليجيين . التنسيق الوُدي بين ملتقى الوعد الثقافي، والجمعية العمانية للكتاب والأدباء، أثمرَ عن إقامة ليالي ثقافية ومقاهي أدبية مستمرة طوالَ أسبوع ٍ كامل، على هامش الأمسيات، وهذا الحراك الثقافي الغير مبرمج ذو قيمةٍ عالية واهدافٍ نبيلةٍ يُؤلفها الشعر، ويكتبها الوفاء بشكل ٍ غير معتاد . " 2 " زهران القاسمي يبحث عن " الهولى " في الملتقى الأهلى و فاطمة الشيدي تتمردُ على أنوثتها وتكتبُ نصوصاً خارجة عن النمط الشاعر زهران القاسمي كان لصوته تلك الحاسة القوية التي تجعلك تشعر بأنكَ تنزلق فيما بين الحروف في أية مفردة ينطقها، حتى لو كانت هذه المفردة مكونة من حرفين فقط، وربما كان للكنته العمانية أثراً في هذا الإحساس، وربما كانت قصيدة الهيولى التي ألقاها الشاعر العماني زهران القاسمي في أمسية الملتقى الثقافي الأهلي التي أقامها بالتعاون مع ملتقى الوعد الثقافي السعودي، والتي شاركته فيها الشاعرة العمانية فاطمة الشيدي، ربما كان لهذه القصيدة أثراً في إحساسنا بفقدان القدرة على التمييز فيما بين الزمان والمكان، وشعورنا بأننا انفلتنا مع الشاعر في رحلة كونية للبحث عن مادة " الهيولى " الأصيلة . الأمسية التي قدّم لها الشاعر السعودي زكي الصدير، تناوب فيها الشاعران العمانيان على سرقة انتباهنا، فكان الشاعر القاسمي عبر أجواءه الفانتازية، وصوره المبتكرة يبثّ في الحضور روحاً قريبة من السريالية ..وفي قصيدته الطويلة التي ألقاها أولاً " الهيولى " وهي عنوان مجموعته الشعرية الثانية، كان القاسمي يبحث كثيراً لا في الهيولى باعتبارها المادة، بل باعتبارها " شرارة " الشعر التي تنبعث في لحظة دقيقة وعبر قدرة خارقة لا معروفة تماماً ولا مجهولة تماماً أيضاً، لتطلق هذه الشرارة في العادي ليغدو فجأة وبدون أية مقدمات، مدهشاً وساحراً . وبالرغم من أن القاسمي لعب كثيراً على هذا الجانب إلا أنه في القصيدة الطويلة لم يشعرنا بالضجر عبر ابتكاره أو رصده للحظات عالية التركيز، وعالية الدقة وشديدة الإنتباه، يقول في إحداها : " الهيولى هي القدرة على تأخير قبلة على شفة الحبيب " وفي أخرى : " قد يقول شاعر عن الهيولى أنها قصيدته التي لم يكتبها لعدم اكتمال الفكرة ويقول عاشق أنها وردة سيدسها في قميص النوم الناعم لحبيبته وقد يحكم القاضي على المتهم بالسجن على حافة الهيولى " وعبر إلقائه الهادئ وعبر صوته الذي يعرف كيف يجد تلك الثغرات المنسية فيما بين حرفين، كان القاسمي يدقّ باتزان أيقاع قصيدته " النثرية " على آذان الحضور، مرةً عبر ذلك الإنزلاق الجميل على الحروف، ومرة عبر فجوة صمت يجدها في الوقت المناسب تماماً وفي المكان المناسب تماماً أيضاً . الشاعرة فاطمة الشيدي وبينما كان القاسمي كذلك كانت شريكته في أمسية " الأحراش " هذه الشاعرة فاطمة الشيدي تنقلنا كلما أتاحت لها القصيدة في قميصِها السحري، المتروك بمكر امرأة على حجرٍ عماني ربما كان هو ذلك الحجر الذي تنطلق عليه شرارات الشعر، كانت نصوص الشيدي تنحو كثيراً باتجاه المفارقة لا عبر شكلها الواضح، بل عبر خلق الصور الكلية للمفارقة، ما جعل قصيدتها تبدو أشدّ تعقيداً من قصيدة القاسمي، وربما كانت الشيدي قد انتبهت إلى هذا في قصيدتها التي ألقتها في ختام الأمسية وهي " بورتريهات العتمة " حيث استطاعت الشيدي عبر تلك المقاطع القصيرة أن تؤكد على ذهابها باتجاه هذا البحث العميق في فكرة المفارقة، بلغة شعرية جميلة ومختزلة وصادمة في بعض الأحيان، تقول في قصيدتها : رجل شرقي " علانيةً ادعى التقدمَ الفكريَّ تفاخرَ منتشيا بلائيتهِ " سراً " تحسسَ أعضاءَه شيءٍتفاخرَ بفحولتِه خانَ كلَ بين يديّ لذة عارية " كائنٌ مركبٌ تركيبا غير مزجي " الشيدي والقاسمي أنهيا أمسيتهما التي رافقهما فيها عازف العود السعودي محمد الحلال، وجلسا لتوقيع بعض النسخ من مجموعتيهما الجديدتين لبعض الاصدقاء والحضور . " 3 نصوص مغايرة شعراًفي عمان تجُدد مشهدها الشعراء العمانيون : فاطمة الشيدي، زهران القاسمي، ناصر البدري وفي مساء تشبث بالشعر حتى النزق الأخير وبالوجع، مر الشعر العماني علينا خفيفا حاملا مشعلا في سماء الحب مرتقبا غيمة في البعيد، هكذا عبرت الدهشة الحضور وسط أنغام دوزنها الفنان محمد الحلال بعوده في احتفالية شعرية نظمها ملتقى الوعد الثقافي السعودي بالتعاون مع جمعية فتاة الريف بالبحرين وجمعية عمان للكتاب والأدباء، تألق فيها ثلاثة شعراء من عمان متناغمين ضمن اشتغالات شعرية مختلفة أفاقت على أسماع الحضور في ليلة شعرية أدارها الشاعر والإعلامي السعودي محمد الفوز . فاطمة الشيدي قرأت فاطمة الشيدي نصين " شلل شللية، وفقراء " ويعتبران نصين حديثين للشاعرة التي تتوج مشوارها في شهر آب بالدكتوراه في اللسانيات من جامعة أربد وتترقب مولودها الروائي الأول من دار الآداب قريبا . الشاعر زهران القاسمي تلا قصيدتين من ديوانه الأول " أمسكنا الوعل من قرونه " جاءتا متنفسا فلسفيا لوعيه بمشهد الريف وتكاثف اللحظة الوجودية في فضاءات الأمكنة المتشربة بها، الأمر الذي جعله يهدي هذه القصيدة " الشاوية " لفتاة ريف البحرين حيث تقاطعت معها في مناجاتها، وقرأ قصيدة " الوقت منتصف العمر " . ناصر البدري بعدها انبرى ناصر البدري ثالث الفرسان الثلاثة ليكمل بهاء الليلة بثلاثة نصوص " مناجاة، علي، ويوسف " في مناجاة مغايرة تماما في الاشتغال مليئة بالتصاوير والارتكاز على الموروث التاريخي والهم الإنساني الكبير . الأمسية كانت نقطة ارتكاز وبعثا للروح حيث تألق الشعراء تماهيا مع روح القصيدة، في مشهدٍ صفق له الحضور مرارا . قدمت بعدها رئيسة الجمعية الأستاذة بدرية مرزوق دروعا تذكارية لكل الشعراء ورئيس ملتقى الوعد الثقافي حسين الجفال والفنان محمد الحلال .بعدها قدم الوعد الثقافي درعا تذكاريا نظير التعاون البناء والداعم الدائم للتواصل والإبداع بين جمعية فتاة الريف والوعد الثقافي والجمعية العمانية . " 4 " الشعر الشعبي العماني يحلق في سماء المنامة و " البادي أظلم " سرقت لب الحضور أحمد الوحشي، ناصر البدري وأحمد مسلط في أمسية شعرية شعبية قدمتها الشاعرة والإعلامية هنادي الجودر في جمعية الشعر الشعبي في البحرين بالتعاون مع جمعية الكتاب والأدباء العمانية وبتنظيم ملتقى الوعد الثقافي السعودي وشارك فيها كل من الشاعر، أحمد الوحشي، أحمد مسلط وناصر البدري الذي أخذ زمام البدء وقرأ نصوصاً قصيرة بلا عناوين قال فيها : السوالف هذر، والتجديف خاسر والمدى أغصان، والإسفاف كافر شالني دمعي على كفك صواري وايبست أحلام في حضن الدفاتر غاص فيني الليل حتى ما عرفتهليل، وإلا ليل ! ..ظل، ولا مسافر ثم قرأ الشاعر أحمد الوحشي تحية للبحرين وقد صفق لها الجمهور، وفي تناوب متكافئ قرأ أحمد المسلط نص بائعة الخبز وقال فيه : مساء الخبز وأعواد الثقاب وريحة الدخان مساء من جريد يابس أو من لظى جمرة مساء المحلاج واحجار الاثافي وسحنة العجان تذوب في ملح بات الفقر وتزيدها سمرة تفض الماء .وتسترسل حكي وتعاود النسيان ثم قرأ البدري نص " شغب ": وين ..؟ ماخذك هاليل عني وين ..؟ ما بقى للعين دمع إلا التمني كل هذا الشعر لصحابك؟ وأنا؟ طاوعك قلبك تخليني على وسادة أرق؟ الشاعر أحمد مسلط بعدها قرأ أحمد مسلط " رسالة إلى والدي " وقد كتبها في الهند ذات غربة يقول : سلام الله من العشق القديم ..وقشة الغرقان إلى اللي يعرف إن النوم والأكرة غدوا إخوان إلى اللي مايذوق الصبح إلا ..من فم الفنجان ثم قدم ناصر البدري لقصيدة الشاعر احمد الوحشي " البادي أظلم " وقال عنها البدري كتبها الوحشي في الجامعة وأخذت مداها لصدقها وجودتها كان ذلك عام 1996 م وتمنى أن تروق للحضور، يقول الوحشي في قصيدة البادي أظلم : الفنان محمد الحلال بعد هذا الافتتان اللغوي والإيقاعي لاب ُدَّ أنْ يتخذَ القلبُ كُرسيا من وجع، أبدع الستراوي في ديوانه " قميصٌ منذورٌ للوقتِ " وحينما قلبَ قميصه وحيدا على رفِّ المعنى باشرَ تجربة جديدة مع خديجة / تلكَ القصيدة التي وعدَ بكتابتها في ديوانٍ آخر . في نهاية الأمسية كرَّم " ملتقى الوعد الثقافي " متمثلا في حسين الجفال ومحمد الفوز وفاضل عمران الشعراء بدروعٍ تذكاريةٍ إلى جانبِ شُكرهم لأسرة الأدباء والكتاب البحرينية على تعاونهم الدؤوب في تحريك الساكن ولملمة المثقف الخليجي والسعودي المشرد على حافة الوطن، كما أشاد بالتعاون الكبير القائم بين ملتقى الوعد الثقافي السعودي وجمعية الكتاب والأدباء العمانية .