اتهم المسؤول السياسي في الحزب الإسلامي الأفغاني الدكتور غيرت بهير آدم إيران بمساعدة الولاياتالمتحدةالأمريكية في غزوها العراق وأفغانستان، مشيرًا إلى أنه لولا المساعدة الإيرانية لما تمكنت القوات الأمريكية من اجتياح البلدين. وقال بهير آدم في حوار مع «المدينة» إنه زج به في السجن بسبب «وصفه الغزو الأمريكي لأفغانستان في العام 2001 ب «الاحتلال»وكذلك بسبب مكانته السياسة بالحزب، وصلة القرابة التي تجمعه بزعيم الحزب قلب الدين حكمتيار». وكشف عن طلب حزبه انسحاب القوات الأمريكية والأجنبية من أفغانستان خلال لقاء وفد منه برئاسته بالسفير الأمريكي في كابل. وفيما يلي نص الحوار: * تحدث لنا عن ملابسات اعتقالك، وما هي التهمة التي وجهت لك ؟ - السبب الرئيسي في دخولي المعتقل هو موقفي الواضح والصريح من الغزو الأمريكي لأفغانستان، حيث وصفته آنذاك بأنه احتلال، وبالطبع فقد كنت أمارس حرية التعبير عن رأيي التي دائمًا ما تحدثنا عنها أمريكا وتنادي بها. واعتقلت أولاً لفترة لا تتجاوز الشهرين ونصف الشهر في إسلام أباد، ونقلت بعدها لمعتقل الظلام بأفغانستان بالقرب من مطار كابل وهو معتقل تابع لجهاز المخابرات المركزية الأمريكية (CIA )، وقضيت هناك 6 أشهر، كانت حالكة الظلام حتى أن السجانين الأمريكان كانوا يستخدمون مصابيح ليلية لدخول السجن. كان الوضع مأساويًا ولا يسمح لنا بنيل قسط من الراحة. ولاحقًا، نقلت إلى سجن باغرام وأمضيت فيه باقي فترة احتجازي، التي امتدت 6 سنوات. وفي هذه الفترة لم توجه لي أي تهمة، وكان الأمريكيون يعلمون ببراءتي، لكن ما أطال فترة اعتقالي بالسجن هي مكانتي السياسية في الحزب الإسلامي، إضافة إلى أني صهر زعيم الحزب قلب الدين حكمتيار، فضلاً عن ثباتي على موقفي تجاه الاحتلال الأمريكي، ورفضي التعامل معهم أو المساومة في شيء من عقيدتي وقيمي رغم الضمانات التي عرضت علي. وعندما كنت بالسجن كنت بمثابة المرجعية للأفغان وكنت زعيمًا لهم، وهو ما لم يحبذه الأمريكان فتخلصوا مني بإطلاق سراحي من المعتقل. * حدثنا عن ذكريات فترة الاعتقال؟ - سجن باغرام من أشد السجون تعذيبًا، وكنت أُلح على الأمريكيين نقلي إلى معتقل غوانتانامو، فقد ورد لي أن معاملة المعتقلين هناك فيها شيئا من الإنسانية، رغم أن الأمريكان لا يقدرون إنسانية السجين لديهم أو عقيدته وعاداته. * هل قابلت شخصيات معروفة في المعتقل؟ - التقيت عددًا من الشخصيات من أبرزها خالد شيخ محمد والمتهم بتدبير الهجمات التي استهدفت أمريكا في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وأبو يحيى الليبي المنظر الشرعي لتنظيم القاعدة، والطيب الملقب «بابن الشيخ» وهو ليبي الجنسية وكان في صفوف تنظيم القاعدة، وسلم إلى حكومة العقيد الراحل معمر القذافي، وعملوا على تصفيته كما وردني، كما التقيت من القاعدة أيضًا أنور البكري، ورضا نجار، وعبدالله التونسي. ومن حركة طالبان التقيت بمولوي نور جلال نائب وزير داخلية حكومة طالبان. وأطلق سراح الكثير من المعتقلين الأفغان، بيد أن ما يطلق عليهم العرب، مازالوا قابعين في المعتقل، ويعاملون معاملة سيئة جدًا. * بالنسبة لعلاقة زعيم الحزب قلب الدين حكمتيار بإيران، ما هي أبعاد هذه العلاقة وانعكاسات التوتر الإقليمي الراهن عليها؟ - علاقة الحزب بإيران كانت خلال فترة الجهاد ضد المحتل السوفييتي، حيث راوحت بين مد وجزر. وحاليًا لا توجد أي علاقات مع إيران، كما أن قلب الدين حكمتيار أُخرج من إيران، وهو ما زاد التوتر في العلاقة، ولا صحة لما يتردد بأن المخابرات الإيرانية توفر دعمًا، فالحزب الإسلامي حزب مستقل، ولا يقبل إملاءات من أحد ولديه سياسة ورؤية خاصة تجاه الوضع في أفغانستان. وأنا غير راضٍ عن الموقف الإيراني تجاه الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، لأن موقفها يتناقض مع دعواتها إبان الثورة الإسلامية، ولا أعتقد أنه بإمكان القوات الأمريكية اجتياح العراق وأفغانستان، لو لم تكن هناك مساعدة من إيران. * في نهاية العام الماضي، التقى وفد من الحزب الإسلامي برئاستكم بالرئيس الأفغاني حامد كرزاي والسفير الأمريكي بكابل، وتناول اللقاءان أجندة تتعلق بالسلام والاستقرار بأفغانستان، ما أهم محار اللقاءين؟ لقاء المسؤولين الأفغانيين جاء بناء على دعوة وجهتها حكومة الرئيس كرزاي للحزب الإسلامي، ونحن لبينا الدعوة لنثبت أننا أصحاب الأرض، ولم نذهب لتحقيق مطامع شخصية لحزبنا أو المساومة في أمر من حقوقنا، وذهبنا لنعبر عن مطالب الشعب الأفغاني وكيفية حل الصراع وتسوية الأزمة في أفغانستان بأقل الخسائر. وطرحنا عدة اقتراحات من أهمها: سحب القوات الأمريكية والأجنبية من المدن والبلدات الرئيسية والقرى والشوارع وجمعها في قواعد منعزلة ثم العمل على سحبها تدريجيًا بما يتوافق مع شروط جميع الأطراف، فإن تحقق ذلك فلن يكون هناك دافع لحمل الأفغان السلاح. هذه النقطة تميزنا عن حركة طالبان، حيث أننا نقبل الحوار مع أمريكا على هذا الأساس، أما طالبان فتريد سحب القوات الأجنبية من أفغانستان أولاً ثم الحوار، لكن إذا انسحبت القوات الأجنبية ستتفاوض طالبان مع من؟! أما المقترح الثاني فهو إقامة حكومة منتخبة في المستقبل، تمثل كافة الفصائل السياسية الأفغانية دون استثناء، ولا توجد نقاط خلاف أو توافق حتى الآن، فنحن لا نزال في مراحلنا الأولى من الحوار، وأستطيع القول أن الأمريكان يقيمون مفاوضات حقيقية مع قوى المعارضة في أفغانستان، ولمست منهم الصدق والرغبة في الحوار، كما أني شعرت أن الطرفين الحكومة الأفغانية والأمريكان يوليان اهتمامًا كبيرًا بالحزب الإسلامي وقدرته على المساعدة في تسوية الأزمة بأفغانستان، وأن بإمكانه إقامة حكومة متوازنة، كما أرى أنه من مصلحتنا بالحزب الإسلامي مواصلة الحوار، لأنه ذات معنى ودلالة في المستقبل، فقد منح جميع الأطراف خلال الحوار الوقت الكافي لتقديم ما لديهم وطرحه على طاولة التفاوض. * كيف ترى مستقبل الحزب الإسلامي سياسيًا، ومستقبل زعيمه قلب الدين حكمتيار؟ - أرى مُستقبلاً مشرقًا للحزب الإسلامي في أفغانستان، لأنه ولد من تجربة صعبة، ولازال متمسكًا بمبادئه وقيمه وتقاليده، كما أن الشعب الأفغاني ملتف حوله، وهو حزب وطني انتشر بكافة أنحاء أفغانستان، لأنه لا يقوم على أُسس طائفية أو عرقية، لذا نرى أنصاره من مختلف شرائح المجتمع الأفغاني من الأوزبك والبشتون والهزارا وكافة أطياف المجتمع، ويحظى بقيادة قوية. و كما قلت سابقًا، لم نذهب إلى المفاوضات مع الحكومة أو الأمريكان لنحقق مطامع شخصية للحزب أو الحصول على حصانة لزعيم الحزب، لكن ذلك أراه سيندرج تلقائيًا حين تتفق جميع الأطراف على آلية محددة لإحلال السلام والاستقرار، فحكمتيار شخصية لا يمكن تجاهلها إذا كنا نتطلع لأفغانستان يسودها الأمن والاستقرار، فهو شخصية عرفت بوزنها وثقلها السياسي، وكان طوال حياته في مركز القرار. * ما هو دور ومستقبل العمل المسلح للحزب الإسلامي، وهل سيبقى يقاوم القوات الأجنبية في أفغانستان حتى موعد انسحابها في 2014؟ - أنا مسؤول الحزب بالجناح السياسي، ولا أتحدث عن العمليات العسكرية؛ لأنها ليست من اختصاصي، لكننا في الحزب نعتبر أن أفغانستان محتلة من قوة أجنبية، وبقاء القوات الأمريكية والناتو يعطي مبررًا لاستمرار العنف بالبلاد، والمقاومة ستستمر وهذا أمر طبيعي. وبتصوري أمريكا فشلت عسكريًا في أفغانستان، وهي درست المنطقة جغرافيًا، لكنها لم تتمعن في تاريخ أفغانستان، فأمريكا تواجه خسارة مماثلة لخسارة الاتحاد السوفيتي مع وجود بعض الفوارق، لذلك فإن موقف الحزب الإسلامي من المحتل الأجنبي سيبقى حتى انسحاب القوات الأمريكية عام 2014، ولا أصدق ما يشاع بأن أمريكا تريد بناء قواعد عسكرية دائمة لها في أفغانستان بعد عام 2014، فهو أمر مستحيل لأن أمريكا لا تريد البقاء في أفغانستان، فهي تهزم عسكريًا، وتتهاوى اقتصاديًا ولا يمكن لخزينتها تحمل تكاليف الحرب الخارجية، والموقف الأمريكي الشعبي يتوجه نحو سحب قوات بلاده من أفغانستان، وأرى أن خروج الأمريكان من بلدنا عبر حوار ومحادثات مع المقاتلين وحركة طالبان سيكون أفضل بكثير. * ماذا عن علاقة الحزب الإسلامي بحركة طالبان أفغانستان؟ وما هو موقفكم من المفاوضات الجارية بين الحركة وأمريكا وفتح مكتب لطالبان في دولة قطر؟ - تمنينا لو كان هناك تنسيق بين حزبنا وحركة طالبان أفغانستان، لأننا في مرحلة حرجة وبحاجة لتعاون مشترك وتفاهم بيننا لوضع حلول مناسبة للأزمة. * هل تشير إلى أنه هناك من يتحمل مسؤولية الهوة الموجودة بين الحزب الإسلامي وحركة طالبان؟ - بتصوري هناك أسلوب تعامل جيد من جانب الحزب الإسلامي، لكننا لا نتلقى تجاوبًا من حركة طالبان، وإذا كان فتح مكتب في قطر لطالبان خطوة لوضع تسوية سلمية للأزمة في أفغانستان فنحن نثني على هذه الجهود لكني لا أعتقد أن خطوة كهذه كافية لإنهاء الصراع الدائر في البلاد. * هل ستقبلون المشاركة في حكومة ائتلافية واحدة مع حركة طالبان أفغانستان؟ - دعنا من ذلك، نحن نؤمن بالانتخابات وهي الخيار الذي يناسب الشعب، فهو أمر يتوافق مع معتقدنا وعاداتنا، إذا فازت طالبان في الانتخابات فعلينا جميعًا تقديم التحية لها، وإذا فاز الحزب الإسلامي فعلى الجميع تقديم التحية له، فهذه هي الديمقراطية، ونحن نؤمن بأن نقل السلطة في أفغانستان يتم عبر صناديق الاقتراع وليس من فوهة البندقية. * إذا وجهت طالبان لكم دعوة للمشاركة في حكومة ائتلافية، هل تقبلون؟ - لا أتصور أن لدينا مشكلة في ذلك، لكننا لا نفضل الحكومات الائتلافية. * بعد عشر سنوات من الحرب في أفغانستان إلى أين تتجه البلاد؟ - بالطبع سنحتاج لعقود لإصلاح الحكومة، فأرض أفغانستان كانت لعقود مركز صراع للقوى العظمى، وإصلاح ما أفسده الاستعمار البريطاني والسوفيتي والأمريكي، يتطلب وقتًا طويلاً، لكن أرى أنه بعد الانسحاب الأمريكي وبداية عودة الأمور الأمنية إلى نصابها فإن الشعب الأفغاني سيصنع مجدًا ساميًا له ولوطنه، وسيصنع التاريخ مجددًا فبعد أن هزمت إمبراطورية الاستعمار البريطاني والسوفيتي، فها هو اليوم الشعب الأفغاني يدمر إمبراطورية الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذا سيكون فخر الأمة الإسلامية كلها. * بالنسبة لعلاقة الحزب الإسلامي مع الحكومة الباكستانية؟ هل هناك تواصل بين الجانبين بشأن عملية السلام في أفغانستان؟ - لا يربطنا أي شيء حاليًا بالحكومة الباكستانية، ولا أعتقد أن إسلام أباد تعارض حوارنا داخل المنزل الأفغاني، كما أنه لا يمكن تجاهل باكستان خلال هذه الخطوة، لأنها جارة لأفغانستان ولديها علاقة قوية مع بلدنا، وتجمعنا مصالح مشتركة وعقيدة وعادات ولغة واحدة.