في الثاني عشر من يناير الجاري كتبت مقالاً بعنوان: «أين اختفى حمزة الشريف؟!»، حيث اختفى المبتعث «حمزة نائل الشريف» طالب الهندسة الكيميائية بجامعة ساسكيتشوان بمدينة ساسكاتون الكندية منذ 14 ديسمبر 2011 تحت ظروف مازالت غامضة دون أن يترك دليلاً على مكان اختفائه أو ما حل به، وهو ما دفع شرطة مدينة ساسكاتون إلى اعتباره مفقودًا لأسباب مجهولة، وهو -أيضًا- ما يدفعنا نحو طرح احتمالات أخرى لم نتطرق إليها، ومنها ما بات يُعرف في ساسكاتون تحديدًا بِ»جولات النجوم». المقال السابق سلَّط الضوء على خطورة الحياة في مدينة ساسكاتون من حيث ارتفاع معدلات الجريمة بشكل قياسي ووضعها حسب الإحصاءات الرسمية كثالث أخطر مدينة كندية من حيث نسبة الجرائم والأكثر خطورة في جرائم الاعتداءات الدموية العنيفة، وكان مجمل المقال عن خطورة ذلك المحيط الذي عاش فيه الطالب «حمزة الشريف». السفارة السعودية بذلت جهدًا سخيًا وتحركت بشكل مكثف للتعاون مع جهات التحقيق في شرطة ساسكاتون، وتم تعيين محقق مختص لمتابعة القضية، السفير الأستاذ «أسامة السنوسي» طار إلى ساسكاتون وقابل عمدة المدينة والمسؤولين عن متابعة أحداث القضية، وأعلن عن تقديم مكافأة مالية كبيرة لمن يدلي بأي معلومات تدل على مكان اختفاء الطالب، كما تم نشر إعلانات في الصحف والقنوات الإخبارية. ولكن انقضاء قرابة ال 42 يومًا على اختفاء «حمزة» دون جدوى للجهود المضنية في العثور عليه يدفعنا نحو التوسع في فتح جميع أبواب الاحتمالات التي قد تدل على سبب اختفائه. وما لفت انتباهي حقاً هو وجود سلسلة متشابهة ومستمرة من الادعاءات والاتهامات والقضايا ضد شرطة مدينة ساسكاتون بالتحديد؛ دونًا عن باقي أقسام الشرطة في أرجاء كندا، حيث تم اتهامها بشكل مستمر من قِبل سكان المدينة منذ عام 1990م وحتى اللحظة بتهمة خصّت واشتهرت بها وحدها وباتت تعرف بمسمى: «Starlight Tours» أو «جولات النجوم»، وهو مصطلح ادعائي يستخدم لوصف ممارسات غير قانونية تقوم بها الشرطة في تلك المدينة بالتقاط الأفراد -غالبًا من طبقة السكان الأصليين من الهنود الحمر- من قلب المدينة واقتيادهم إلى المناطق الريفية النائية وتركهم هناك، بغض النظر عن درجات الحرارة المنخفضة، وقد اتخذت هذه الممارسة مكاناً داخل وحول ساسكاتون بالتحديد، وتم تفسير ذلك من قِبل العديد من المختصين هناك بأنه عبارة عن محاولات تأديبية ضد مخالفي القوانين، بالإضافة إلى الرغبة في التخلص من صداع إجراءات الحجز الروتينية في أقسام الشرطة. وفي نوفمبر 1990م تم العثور على الشاب «نيل ستونشايلد» (17 عامًا) جثة متجمدة في أحد الحقول النائية خارج ساسكاتون بعد بضعة أيام من شهادة صديقه «جايسون»، حيث روي بأن الشرطة التقطته في مركبتها وهو مضرّج بدمائه ويصرخ طالبًا الاستغاثة ثم اختفى، بحسب ما نقلته قناة «سي بي سي» الإخبارية في أحد تقاريرها خلال نوفمبر 2005 عن هذه القضية، وذُكر ضمن التقرير بأن شرطة ساسكاتون فُرض عليها الدفاع عن نفسها في السنوات الأخيرة بسبب مزاعم «جولات النجوم» وبعد اكتشاف عدد من الجثث المتجمدة في مناطق نائية من المدينة في السنوات الأخيرة، وفي العام 2000 حشدت مظاهرات ضخمة في ساسكاتون متهمة الشرطة بأفعال عنصرية، وطالبوا بفتح تحقيق موسع حول ما جرى للشاب «نيل ستونشايلد»، وشابين آخرين هما «لورانس واغنر ورودني نايستوس»، حيث اكتُشِف جثتهما متجمدتان بالقرب من محطة توليد كهرباء، وهو ما دفع شرطة الخيالة الكندية الملكية RCMP إلى فتح أكبر تحقيق موسع مع شرطة ساسكاتون، ولكن لم تثبت أي إدانة في ذلك الوقت. وفي سبتمبر 2001 تم رصد أول إدانة رسمية بحق اثنين من أفراد شرطة ساسكاتون وهما «دان هاتشين» و»كين منسون» بعد أن اعتقلا أحد السكان الأصليين ويدعى «داريل نايت» ثم تركوه على مشارف ساسكاتون في إحدى ليالي شهر يناير القارسة، ولكنه استطاع العودة إلى منزله ثم أبلغ الجهات المختصة عن الشرطيين اللذين أدينا لاحقًا بتهمة الاحتجاز غير المشروع وحكم عليهما بالسجن 8 أشهر. وفي 2003 أقر أحد رؤساء شرطة ساسكاتون السابقين «رسل سابو» بأن هناك احتمالات ضلوع بعض عناصر من شرطة ساسكاتون لسنوات في استخدام أسلوب «جولات النجوم» مع السكان الأصليين على وجه التحديد، وفي يوليو 2004 أعد «مارفين براس» تقريرًا نشرته مجلة ناشيونال سجل فيه أكثر من 76 حالة يتوقع بأنها مورست بحقها ما أطلق عليه: «جولات النجوم». من الممكن أن هناك تشابهًا جزئيًا بين اختفاء حمزة الشريف وبعضًا من الحالات المتعلقة بِ»جولات النجوم»، لأن فترات الاختفاء المتعلقة بها تتكرر في فترات الشتاء، وتحدث في أوقات متأخرة من الليل، بالإضافة إلى كثرة الادعاءات عن الدوافع العنصرية للشرطة. التشابه النوعي مع أشكال السكان الأصليين، وخروج الطالب السعودي مساءً من دون هوية، حيث وجدت كامل متعلقاته الشخصية داخل شقته، بالإضافة إلى عدم اكتشاف أي أدلة من قبل شرطة ساسكاتون عن أسباب اختفائه، كل هذه الأمور تثير الشكوك. لذلك.. نأمل أن يسعى المسؤولون عن متابعة هذه القضية نحو إقحام شرطة الخيالة الكندية الملكية في التحقيقات لأنها السلطة الأقوى في تنفيذ القانون الاتحادي في كندا، وحتى نزيل الشبهات عن أي احتمالية وقوع طالبنا المبتعث ضحية لممارسات غير قانونية عُرفت عن شرطة ساسكاتون من خلال ما عرضناه سابقاً. وأخيرًا.. «حمزة الشريف» يمثل لنا الشيء الكثير، فهو فلذة كبد وطننا الذي ابتُعِث للخارج بغرض طلب العلم والعودة لدعم مسيرة الوطن للأمام، لذلك ندعو الله أن يعيده لنا سالمًا.