حذّر الخبراء والمعنيون بالشأن السوري من مغبة ذهاب سوريا إلى حرب أهلية إن لم تكن قد وقعت فيها بالفعل بعد تجاوز عدد القتلى 4000 قتيل وفق تقدير المفوضة العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وأضعاف هذا الرقم حسب تقديرات المقاومة وقالوا: إن الازمة السورية باتت اكثر تعقيدا رغم قبول سوريا للجنة المراقبة العربية التي انبثقت عن الجامعة العربية معتبرين ان أي حلول سلمية دون ذهاب نظام الاسد لن تجدي وان نظام الرئيس السوري بشار الاسد المستعصم بالجيش من الصعب ان يترك مقاليد الحكم او يسمح بالتغيير الذي معناه إنهاء الحكم العلوي ،وفي المقابل لن يقبل الشعب السوري ان تعود ثورته للوراء ولن يقبل سوى بتغيير النظام والاتجاه بسوريا نحو مرحلة جديدة من الحكم. المواجهات الأهلية مرجحة ويرى الدكتور حسن ابو طالب الخبير بمركز الاهرام للدراسات أن الأسلوب الذى تتعاطى به حكومة الرئيس الأسد مع المبادرة العربية رغم الموافقة على وجود مراقبين عرب - لا يوفر أسسًا معقولة للتفاؤل بشأن المستقبل القريب، بل العكس هو الأقرب ، فهناك تقاعس من نظام الحكم في سوريا عن اتخاذ قرارات جوهرية وسريعة يراها السوريون بعيونهم المجردة وتعطيهم الأمان المفقود وتجعلهم يشعرون بقيمة المبادرة العربية الهادفة إلى حماية سوريا والسوريين من مصير مجهول.كما ان من الملاحظ ان النظام السوري يسعى لتقويض المبادرة العربية ببطء والتي تسعى إلى الحفاظ على سوريا بعيدة عن التدخلات الغربية والأمريكية وهو ما يعني في النهاية فتح الباب مشرعًا أمام عمل دولى إما تحت مظلة الأممالمتحدة أو بقيادة مجموعة من الدول الكبرى ، أو بهما معًا. والحالة الليبية خير مثال. ويضيف الدكتور ابو طالب ان التدخل الدولي لن يكون سريعا في سوريا نظرا لاعتبارات عدة استند اليها الرئيس السوري في تحذيره للدول الغربية التى قد تفكر فى التدخل العسكرى فى الشأن السورى، مستندا إلى الموقع الاستراتيجى الذى تحتله بلاده وتماسها الجغرافى مع إسرائيل وعلاقاتها القوية مع إيران وحزب الله. ويرى أبو طالب أن المأزق السوري يرتبط بالنظام من حيث ان قبول النظام الحوار مع المعارضة بكل أطيافها فى الداخل والخارج يعنى تشكيكا فى شرعيته أو هو تنازل مسبق لا يجوز حدوثه. ولكنه يدرك أيضا أن عدم التجاوب مع الجامعة العربية سيزيد من عزلته العربية والدولية وسيقدم حجة للقوى الغربية للتدخل ويقدم حجة أيضا لكل من روسيا والصين للتنصل من الوقوف إلى جانب دمشق كما حدث فى مجلس الأمن ومأزق المعارضة السورية يمثل الوجه الآخر للعملة، فبالرغم من التضحيات المستمرة ونزيف الدم اليومى لخيرة أبناء الوطن، فمن الواضح أن هناك انقساما مجتمعيا بشأن النظام السورى إذ تظل دمشق العاصمة مؤيدة للنظام وساكنة تماما مقارنة بما يجرى فى الريف والمدن الكبرى البعيدة عن العاصمة كحماة واللاذقية ودرعا وغيرهم. وهذا الانقسام المجتمعى يمكن فهمه فى ضوء سياسة القبضة الحديدية التى اتبعتها الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين السوريين، وأثارت الرعب والانكماش لدى فئات سورية عديدة وأخرجتهم من معادلة المعارضة ولو لحين. ويرى الدكتور ابو طالب ان مع احتمالات اكبر لفشل المبادرة والتدخل العربي ومع التشكيك في قرار بتدخل دولي سريع فان مخاوف تزايد المواجهات الاهلية هو الاقرب ومن ثمّ فان سوريا مرشحة للتصعيد بأي شكل من الاشكال اكثر من التهدئة. تهويل!! ويختلف اللواء طلعت مسلم الخبير العسكري المصري في رؤيته للمشهد السوري القادم ويرى أن مقومات الحرب الأهلية وعناصر اندلاعها غير متوافرة في سوريا، ويرى الحديث عنها مجرد تهويل ربما غرضه تبادل الضغوط والابتزاز، رغم تصاعد بعض وجوه العنف والعنف المضاد وما خلفه ذلك من أذى اجتماعي وإنساني واهتزاز للاستقرار الأمني في بعض مناطق التوتر والاحتقان، لكن الأمور لم ولن تصل إلى مرحلة الحرب الأهلية. فالشعب السوري اختار السلمية طريقا رئيسا للاحتجاجات ضد نظام الحكم، وأصر عليها طيلة تسعة أشهر، رغم القمع اليومي والتنكيل الوحشي هو ما يعني وجود وعي متأصل لدى السوريين بمخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية وهذا ليس فقط بسبب ذاكرتهم المشبعة بصور المآسي والآلام التي تكبدها الشعبان اللبناني والعراقي وأخيرا الليبي جراء الاقتتال الأهلي، أو بسبب ما ذاقوه من مرارة الصراع بين النظام والإخوان المسلمين زمن الثمانينيات، وما خلفه من نتائج مؤلمة لا يمكن أن تنسى، وإنما أيضا جراء التفافهم المزمن حول مهام وطنية وقومية عريضة تركت آثارا إيجابية على تضامنهم ووحدتهم واندماجهم، فأضعفت من جهة العصبيات التقليدية وإمكانية تبلورها في مشاريع سياسية خاصة، كما ساعدت من جهة ثانية في تمكين بناء دولة وطنية جامعة ، رغم ما شابها من تشوهات واحتكار للسلطة. لكن اللواء مسلّم لا يستبعد مع ذلك امكانية ان تقوم حرب اهلية اذا استعصي الامر بسبب شدة القمع المطبق وإطلاق اليد لاستخدام أشنع وسائل القهر والتنكيل طلبا للحسم ونتيجة الاصرار على الخيار الأمني والعسكري واستهانة بالمعالجات السياسية وبالدعوات المتعددة للبدء بإصلاحات جدية ترضي المحتجين وتخفف حدة التوتر والاحتقان.فإذا أصر النظام السوري على رفض الحلول السياسية وأصر على إنكار مطالب الناس وإظهارهم كأدوات تآمرية وطائفية فهذا من شأنه ان يؤجج الصراع ويدفع الى اعتماد منطق العنف . الإنقاذ ممكن من جانبه يتوقع اللواء عادل سليمان نائب رئيس مركز الدراسات المستقبلية أن استمرار الوضع على الوتيرة الحالية سوف يؤدي الى حرب أهلية مذهبية طويلة الأمد لا يمكن لأحد تقدير خسائرها وتداعياتها. ويستدرك إلا أنه في الوقت نفسه لا تزال عملية الانقاذ ممكنة عبر طيّ ملفات الخلافات والنزاعات القائمة، وتقديم مصلحة سوريا على أي اعتبار آخر. فالسوريون جميعاً مطالبون بمنع الانهيارات والجلوس الى طاولة واحدة من دون حقد أو خوف، لمناقشة أخطاء الماضي ورسم آفاق المستقبل. واستبدال مشروع الحرب الأهلية التي تلوح في الأفق، بمشروع اصلاحي، ينطلق من الاعتراف بالحاجة الى التغيير الفعلي الذي يعيد الى الوطن استقراره ويضمن للمواطن حقوقه المدنية والسياسية. ويقول هذا لن يتأتي إلا عبر الحوار والمصارحة وقبول الآخر فهذا هو الطريق الوحيد لرسم «خريطة الطريق» التي تقود الى الخلاص. فلابد من تلاقي الحكم والمعارضة بكل أطيافها على وقف التدهور والتأسيس لغد أفضل يجسد حق الجميع في المشاركة في صنع القرار الوطني، وتداول السلطة من خلال صناديق الاقتراع. فتمثيل كل الفرقاء والقوى السياسية في حكومة وطنية سوف يمكنها من بدء الحوار مع مَن هم في الشارع، من أجل طمأنتهم الى أن المستقبل سوف يستجيب لتطلعاتهم، وان التضحيات التي بذلت لن تذهب هدراً. ومن أول واجبات هذه الحكومة، في مواكبة الحوار، تشكيل لجنة قانونية لصياغة دستور جديد، يحترم التعددية الحزبية والسياسية وحرية الاعلام والحريات الفردية. ويضيف: لابد ان يشعر الشعب السوري بالتغيير وان سيطرة طائفة ما على الحكم قد انتهت فهناك صراع بين الثوريين السوريين وخاصة السنيين وبين نظام الأسد العلوي وسيطول هذا الصراع اذا لم يكن هناك حل لان نظام الأسد، وإن ظهر أنه قد بدأ يترنح خاصة مع تزايد عملية الانشقاقات في صفوف الجيش، إلا أن تركيبة الجيش، الذي يتحكم فيه قادة عسكريون علويون، وهيكله التنظيمي المصمم أساسا، لحماية النظام العلوي من أي انقلاب عسكري سني في الداخل، بل وللحيلولة دون حدوث هذا الانقلاب، لن تسمح بحدوث انشقاق ضخم، في المستقبل المنظور على الأقل.