تهنئة لمعالي وزير الاقتصاد والتخطيط، ودعوة لله بأن يأخذ بيده لرسم مستقبل مشرق لبلادنا في هذين القطاعين المهمين: الاقتصاد والتخطيط، فبهما تتشكل صورة التنمية ثم تُنزل على الواقع، والأمل أن ينتقل التخطيط من تخطيط ورقي وبيانات مرسومة إلى مجسمات تنموية على أرض الواقع، وأن تتجاوز بلادنا المصدر الواحد الرئيس في الاقتصاد إلى تعدد المصادر، وإلى الاستثمار المتعدد، والاحتفاظ برصيد لأجيال المستقبل واستثمار الفائض البترولي في مشروعات تكون بديلًا في حال نضوبه أو انخفاض أسعاره. التخطيط يقوم حاليًا على خطة خمسية لمدة خمس سنوات، تجمع فيها الوزارة ما لدى الوزارات الأخرى ثم تضعها في مجلد، وتقتصر المتابعة لها على ما يصل من الوزارات أيضًا، ثم يُجمع في تقرير، وبالرغم من كتابة تقرير سنوي من كل وزارة ومصلحة عن الإنجازات والمعوقات والحلول، إلا أن معظم هذه التقارير مُكرر لا يكاد يختلف في سنة عن سابقتها إلا في أشياء طفيفة كتغيّر الأرقام، والمعوقات تتكرر أيضًا والحلول تتكرر، وما يأخذ طريقه للتنفيذ منها قليل، أما التخطيط البعيد المدى فهو نادرًا ما يحدث، فلا يوجد تخطيط مثلًا لما ستكون عليه مدينة من المدن بعد 30 عامًا، ولذا عندما تمدّدت المدن وتقاربت المناطق برزت مشكلة النقل داخل المدن وبين المناطق، فلا نقل داخل المدن سوى الوسائل الخاصة، ولا قطارات بين المناطق، ولا يكاد يحصل المسافر على مقعد في إحدى طائرات الخطوط السعودية إلا بصعوبة، وقس على ذلك المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية والمدارس، بل أكثر مباني الدوائر الحكومية مستأجرة، مع أن المبنى الحكومي الآن يحتاج إلى وسائل التقنية؛ التي تستدعي مكانًا ملائمًا وتجهيزًا فنيًا، وليس كرسيًا وماصة كما كان سابقًا. في المجال الصحي كان المريض يراجع المستشفى فيحصل على العلاج؛ دون سؤاله عن سجله المدني ولا عن جنسيته، ويأخذ الدواء، ويُنقل إلى التنويم إن كان محتاجًا، والآن من هو في حالة إسعافية قد لا يجد سريرًا، فأين التخطيط؟! وأين تطور الخدمة بتطور الطب والأجهزة، وزيادة السكان ووفود أمراض العصر، ومنها الأمراض المزمنة؟ ويُقاس على ذلك المدارس التي لم تعد قاصرة على فصل دراسي فيه مقاعد وسبورة بالطباشير، بل استدعى التطور ما أحدثته التقنية. ولكن معظم المباني الحكومية غير مجهزة إن لم تكن غير مؤهلة لذلك، أما المستأجرة فكثير منها غير صالحة أصلًا للتعليم إلا في ظل الضرورة. التخطيط -يا معالي الوزير- بحاجة إلى انتشاله من التقليدية إلى الحداثة، ليصنع مستقبل الأجيال، ويسعد الجيل الحاضر، ولو كان هناك تخطيط شامل لما حصلت البطالة، ولما عجز المواطن عن وجود سرير في المستشفى، ولما احتاج لمُدد طويلة لمقابلة طبيب، ولما احتاج لسيارة خاصة لو وُجدت وسائل نقل عامة ميسّرة (سيرًا وأجرة) كما في كثير من دول العالم التي لا تملك ما نملك من إمكانيات، وحرص من القيادة الرشيدة على توفير الحياة الكريمة للمواطن. التخطيط الشامل (القريب منه والبعيد) يعمل على توازن التنمية بين المناطق، فلا توجد هجرة إلى المدن الكبيرة لترهقها وترهق الخدمات، والتخطيط للمستقبل يضع خططًا لكل أزمة محتملة، ولتوازن الإنفاق بين الحاضر والمستقبل، والتخطيط يقتضي وضع الخطط لمواجهة أزمة الإسكان، فأكثر السكان من الشباب يريدون بناء سكن وأسرة، وللأسف أن أكبر معوق لبناء مساكن في بلادنا قلة الأراضي في بلاد تكاد تكون قارة، أما الإمكانات فقد أنعم الله بها والحمد لله، والإسكان يستدعي وضع خطط تلامس الحاضر وتستشرف المستقبل، ولابد من تجاوز الزمن (وجود أرض ثم قرض من صندوق التنمية العقاري) إلى آليات جديدة يسهم فيها القطاع الخاص والعام، وليشمل السكن موظف الحكومة وغير الموظف، فكلهم مواطن حظي بشرف مواطنة هذه الأرض المقدسة. التخطيط بحاجة إلى فكر جديد، وخطط جديدة، واستراتيجيات بعيدة، ليس في المحسوس فقط، بل في الفكر والتنمية الثقافية والاجتماعية، ولابد من طي صفحة الماضي، ونسيان الرسوم البيانية الورقية إلى تخطيط يُحس ويُلمس في واقع الحياة، ويستشرف المستقبل.