تمثل خطط التنمية في المملكة "البوصلة" التي يعتمد عليها في عمليات البناء والتطوير، وملامسة احتياجات المواطنين، والتنبؤ بمستقبل أفضل للأجيال المقبلة.. وعلى الرغم مما حملته خطط التنمية الثماني الماضية في أجندتها من برامج وخطط ومشروعات وطموحات وماصرف لها من ميزانيات ضخمة تجاوزت عدة تريليونات ريالات، إلا أن حجم ما تحقق على أرض الواقع لا يتفق مع ما حملته تلك الخطط من أهداف، فلا زالت معظم البنى التحتية في معظم مدننا غير متوفرة أوضعيفة، ونسبة الوعي الوطني قاصرة عن التفاعل، ومستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة أقل مما هو مطلوب، كما لا تزال خدماتنا الصحية مترهلة وضعيفة ولا تتوفر بالشكل الذي يتفق مع ما صرف عليها من ميزانيات، ولا زال إلى اليوم أكثر من 50% من مباني مدارسنا وإداراتنا الحكومية مستأجراً، ولا زالت قرانا ومدننا الصغيرة لم تأخذ حقها الكامل من التطوير والتنمية.. والأصعب في كل ذلك أن أكثر من (500) ألف من شبابنا -حسب آخر إحصائية- عاطلون عن العمل في بلد يوجد بها أكثر من (5) ملايين وافد يعملون في الكثير من القطاعات المهنية والفنية والإدارية والهندسية.. "ندوة الرياض" تجيب على السؤال الأبرز:هل المشكلة في خطط التنمية، أم أن المشكلة في تنفيذ ما حملته هذه الخطط من قبل الوزارات والجهات المعنية، وهو الذي جعل خطط التنمية قاصرة عن تحقيق تطلعات ولاة الأمر وطموحات المواطن؟.. التخطيط في المملكة في البداية تحدث "د.ابن صقر"عن مفهوم التخطيط وآلياته في المملكة باعتبارها دولة تعتمد آليات اقتصاديات السوق الحرة، وقال:إن هناك خططا واستراتيجيات، والخطط تكون أقصر زمناً من الإستراتيجيات، فغالباً ما تكون المدة الزمنية للخطة التنموية خمس سنوات، أما الإستراتيجية فهي طويلة الأمد وتصل مدتها إلى عشرات السنين، مشيراً إلى أن المفهوم الهام للتخطيط في الدول التي تعتمد آليات السوق الحرة ومنها المملكة فهو يعني وضع المستهدف على صعيد كل القطاعات في إطار زمني ومكاني يربط بين جميع القطاعات والمناطق، وتصل جهود كل سنة بالسنوات اللاحقة في إطار تراكمي، والخطة تنبثق عن الإستراتيجية. وأضاف أن المملكة بدأت تطبيق أول خطة خمسيه قبل 40 عاماً، وتحديداً في عام 1970م، كما أن المملكة وضعت إستراتيجية متكاملة حتى عام 1444 1445ه (2024م) وتنبثق عنها أربع خطط خمسية متكاملة ومتوالية ولها أهدافها المعلنة التي تشمل جميع أوجه التنمية بمعناها الشامل والمستدام. عملية معقدة وأكد "د.فدعق" على أن التخطيط في المملكة عملية معقدة، وفيها جهود كبيرة، وصرفت عليها مبالغ ضخمة، والذين عملوا على وضع هذه الخطط سواء في وزارة التخطيط أو أي جهة أخرى عملوا بإخلاص عبر سنوات طويلة من عام 1970م أي من أكثر من (40) سنة تخطيط، ومنذ أن كان عدد سكان المملكة أقل من سبعة ملايين نسمة، واليوم وصلنا إلى (26) مليوناً أي إن (19) مليون نسمة انضموا لتعداد المملكة منذ بدء عملية التخطيط. وقال قطعاً هناك تغيرات كثيرة، فلو ننظر إلى خطة التنمية الأولى فالواقع هي ممتازة بالنسبة لزمانها وخطة التنمية الثانية أحسن منها، لكن جاءت بعض السنوات كانت خطط التنمية عبارة عن تكرار للخطط التي قبلها ولم تضف جديداً، والواقع أنه من الصعب أن نقول إن عندنا أربعين سنة خبرة تخطيط وبعض السنوات كانت مكررة!، مشيراً إلى أنه من السهل أن نوجه الاتهام لأي خطة أو آلية للتخطيط أو وزارة التخطيط نفسها، ولكن من المفترض قبل أن نتهم أن ننظر للنواحي الإيجابية وأن نوجد البدائل، فإذا كنت أنتقد أي شيء وأن أداءه غير لائق يجب أن اطرح البديل. وأضاف أن خطة التنمية في ماليزيا من حيث الشكل والمحتوى مثل خطة التنمية في المملكة، ولكن عندما تنظر في التطبيق في الخطتين الماليزية والسعودية وبين الاقتصاد الماليزي والسعودي ستجد أن خطة التنمية السعودية في بعض الأحيان كأنها متفرج وليست جزءاً أساسياً من التفاعل مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فمثلاً عندما نستعرض جانب الإسكان وهو من المشاكل الأساسية وجدت أن كثيراً من المكونات مكررة من السنوات الماضية، وهذا الأمر محتاج إلى إعادة نظر في النواحي الرقمية وحجم الوحدات السكنية التي نحتاجها في المستقبل حتى تكون خطة التنمية التاسعة حتى تأتي النتائج متفقة مع الواقع الذي نحتاجه خلال الخمس سنوات المقبلة. الجبيل الصناعية واجهة مشرقة للوطن على مدى العقود الماضية المشكلة في التنفيذ ويرى "د.عشقي" أن خطط التنمية المكتوبة مثالية جداً، لكن المشكلة تكمن في التنفيذ وآلية التطبيق فأنا يتهيأ لي أن المشرفين على تطبيق هذه الخطط لم يدركوا معاني ومفردات هذه الخطط أبدا لذلك جاء التطبيق سيئاً، فالميزانيات التي صرفت خلال خطط التنمية المفروض أن يكون لها ناتج ملموس، فلو نظرنا إلى الألفي مركز صحي التي أعلن عنها كم تحقق منها؟، وحتى الموجود من هذه المراكز عندما تدخل إليه لا تجد فيه عيادة أسنان ولا مختبراً، فالمبالغ التي صرفت على هذه المراكز كيف صرفت؟، وأين صرفت؟، وليس فيها أي استعدادات توفر خدمة صحية لائقة للمواطن. وقال إن المحور الذي تركز عليه خطط التنمية هو الإنسان السعودي، فهل التعليم لدينا أعد هذا الإنسان وفق نظرة علمية تواكب التقدم، وجامعاتنا تأتي في مؤخرة الترتيب بين جامعات العالم مع أن الدولة تدفع ميزانيات طائلة للتعليم؟. تقييم العمل التنفيذي وتشير "د.بسمة" إلى وجهة نظر أخرى، وهي أن المشكلة ليست في الخطة المكتوبة، لأن الخطط مدروسة مع جهات أخرى ولو استعرضنا ماكتب في خطة التنمية الثامنة فيها أشياء كثيرة لو طبقت لحدثت نقلة نوعية في البلد، ولكن لمشكلة أن التنفيذ لا يأتي بحجم ما تحمله الميزانية من أهداف وطموحات، ولكن ماهي المشكلة التي تواجه التطبيق؟، وهل نحن بحاجة إلى تغيير وزارات؟، وهذا غير صحيح لأنه عندما يحصل تغيير وزاري الذي يتغير هو الوزير، بينما تبقى الكوادر البشرية الأخرى في أماكنها وهذه الكوادر معظمها تعود على نمط معين وأسلوب معين من العمل ولا تستطيع أن تتخلص منه، ولهذا فإن الوزير يجب أن يعطى صلاحيات بتغيير الطبقة الوسطى من الموظفين التي تواجه الجمهور حتى لا تصطدم الكثير من القرارات التي يوقعها الوزير بعدم التنفيذ، لأن الموظفين المنفذين غير مقتنعين بها، فالمشكلة في التنفيذ وليس في وضع الإستراتيجيات، والمشكلة في آلية التعامل مع الموظف الحكومي فنحن نحتاج إلى تقييم للموظفين حتى لا يصبح تغيير الوزير بلا معنى وبدون فائدة. أين ذهبت التريليونات؟ من جانب آخر، لو استعرضنا الخطط السابقة نجد المملكة صرفت تريليونين وحتى الآن نجد أن الخدمة في مستشفياتنا ليست بالمستوى المطلوب و60% من مباني المدارس والإدارات الحكومية مستأجرة والبنية التحتية على مستوى جميع المدن مترهلة وناقصة، ومازلنا اقتصاديا نعتمد على البترول كمصدر وحيد للدخل ولم يتحقق شيء ذو قيمة من حيث تنويع مصادر الدخل، والسؤال هل خطط التنمية تسير في اتجاه صحيح؟. وأجاب "د.عشقي"، قائلاً: إن ماتحقق من خلال خطط التنمية السابقة لا يمكن أن يكون في مستوى طموحات وتطلعات ولاة الأمر، ولا ماكان يتمناه المواطن، وهذا لا يتفق إطلاقاً لما صرف على مختلف المشاريع والخدمات التي معظمها غير مكتمل، ولا أدري أين ذهبت كل هذه التريليونات التي صرفت خلال خطط التنمية السابقة؟، مشيراً إلى أن خطط التنمية المكتوبة مثالية ولو تحقق 60%منها لكان الوضع مختلفاً كثيراً، عما هو عليه الآن ولكن الخطط المكتوبة شيء وما نفذ شيء آخر، ولهذا لا بد من إعادة نظر في التنفيذ لخطط التنمية حتى لا نفاجأ بأن خطط التنمية مجرد حبر على ورق. ويستدرك "د.عشقي" لا شك أن نقلة جيدة حدثت على المستوى العام وتطورت مدننا، ولكن ذلك أقل من الطموح، وأقل من أهداف التنمية ومما صرف من ميزانيات، ولعل من أهم الأشياء التي لم تأخذ نصيبها من خطط التنمية في السابق موضوع البيئة، فالتغير المناخي والتصحر دفع الكثير من أهل القرى إلى الهجرة إلى المدن، وهذا لأننا أغفلنا الاهتمام بالبيئة وأهميتها في التنمية المستدامة، وأن تكون الوزارات بحجم طموحات الخطط وأن تكون أمينة في تنفيذها.. مواطن مع أفراد أسرته في سكن من صفيح «ارشيف الرياض» مؤشرات إيجابية وقال"د.فدعق": أنا بطبعي متفائل، وهناك مؤشرات إيجابية تحققت، فالإنسان السعودي اليوم متعلم أكثر مما كان قبل (40) سنة، والإنسان السعودي اليوم سواء ذكراً أو أنثى زاد المتوسط العمري عما كان عليه في الماضي، ففي السابق كنا من أقل بلدان العالم واليوم نحن من أفضلها وننافس العالم الأول، فمثلاً محاربة الأمية في المجتمع نتج عنها انخفاضها بشكل كبير خلال سنوات محدودة، ولا شك أن أموراً كثيرة تحسنت ولكننا نطمح إلى أشياء كثيرة أن تكون موجودة خاصة في مجال البنية التحتية. التنمية بمعناها الشامل وعن كيفية وضع آليات لضمان تنفيذ مراحل الخطط الخمسية وتجنب تعثر تنفيذ مشروعاتها؟، وهل توجد هذه الآليات في المملكة، أوضح "د.ابن صقر" أن الخطط الخمسية التي وضعتها ونفذتها المملكة على مدار السنوات الأربعين الماضية حملت أهدافاً كثيرة وتحقق الكثير من هذه الأهداف، وتحولت إلى واقع ملموس في شتى مجالات التنمية بمعناها الشامل، ولكن الكثير من الناس يحصر خطط التنمية في المشروعات الخدمية ومشروعات البنية التحتية وهذا خطأ، فالخطط تكون شاملة لأهداف كثيرة منها التنمية الاقتصادية، والتنمية البشرية، وتحسين مستوى الخدمات وكل محور من هذه المحاور يتضمن الكثير من البنود والخطط الفرعية. وأضاف: "نعم توجد آليات لتنفيذ الخطط التنموية، والأرقام والإحصائيات الموثقة والمنشورة تؤكد ذلك، ومن الإجحاف حصر نتائج الخطط في المرافق والخدمات وإن كانت هي جزء مهم من أهداف هذه الخطط، كما أن آليات مراقبة المشاريع موجودة في البلديات والوزارات المعنية وإمارات المناطق، وتتناولها جلسات مجلس الشورى، وديوان المراقبة العامة، إضافة إلى تقارير وزارة التخطيط، ولكن المطلوب بالفعل تشديد هذه المراقبة ومعاقبة الجهات المتقاعسة أو المسؤولين المتقاعسين، ولعل أحداث سيول جدة فتحت هذا الملف، بل أكدت إصرار الدولة على معاقبة المتلاعبين والمتقاعسين سواء كانوا في الخدمة أم تركوها. مستوى التنفيذ وتشير "د.بسمة" إلى أهمية وضع آلية للتقييم، ومعرفة مدى مانفذ من الخطط ومالم ينفذ ومستوى التنفيذ حتى نعرف مكامن الخلل في التنفيذ، وأن يكون هناك ربط بين الوزارات ليكون التنفيذ لمختلف بنود الخطط بالشكل الذي يحقق أهدافها". التخطيط والتنمية وعن إستراتيجية التخطيط في المملكة وقدرتها على تحقيق التنمية المستدامة يقول "د.ابن صقر" إن المملكة أدركت مفهوم التخطيط الإستراتيجي مبكراً، بل وضعت إستراتيجية بدأت مع انطلاق خطة التنمية الثامنة وتشمل أربع خطط أي حتى عام 2024م وهذه الإستراتيجية تتعدى مفهوم التوجهات العامة إلى وضع برنامج بمراحل زمنية محددة وبأبعاد متكاملة ومنظور واضح من أجل بناء مقومات التنمية المستدامة بأسرع وقت ممكن، والتعامل بكفاءة مع التحديات التي برزت مؤخراً، وكما حددتها الإستراتيجية فإن هذه التحديات تتمثل في رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة وتحقيق التنمية المستدامة وتشمل (تنويع القاعدة الاقتصادية، الاستفادة المثلى من عائدات النفط وتحويلها تدريجيا إلى أصول إنتاجية ورأسمال بشري فعال في تعزيز الموارد غير النفطية، وتطوير الموارد البشرية وتوظيفها المنتج واعتبار ذلك شرطا ضروريا لتحقيق التنمية المستدامة والاعتماد على مصادر المياه المتجددة والمحافظة على الأراضي الزراعية ومنعها من التدهور، وتحقيق التنمية المتوازنة في مناطق المملكة المختلفة وتعزيز القدرة التنافسية والتكامل الإقليمي العربي)، وهذه هي عناوين عريضة تحمل العديد من الأهداف محددة المعالم والأطر المحددة لها وفقاً للزمان والمكان، وهذه الأطر تحدد الاحتياجات الداخلية والإقليمية التي تنطلق منها المملكة في تحديد أولوياتها وتعمل على تحقيقها وفق برامج واضحة المعالم وليس مجرد بيانات إنشائية، والمهم في ذلك تحقيق الأهداف، وأن تكون الأجهزة التنفيذية على قدر المسؤولية في تنفيذ خطط وإستراتيجيات الدولة، وإذا تحقق ذلك نستطيع القول إن المملكة سوف تخطو إلى الأمام بخطى ثابتة وواثقة، وفي هذا الصدد نعتقد أنه لا مفر من الالتزام بهذه الإستراتيجية في ظل عالم تعصف به الأزمات ولا مجال فيه إلا بالتركيز على الاهتمام بالتنمية الشاملة وفي مقدمتها تنمية العنصر البشري. إهمال البيئة نموذجاً ويرى "د.عشقي" أن الخطط الخمسية بدأت منذ أربعة عقود، وما يؤسف أن البيئة لم تكن النظرة لها في ذلك الحين كبيرة ولم تولها الخطط أي اهتمام حتى في خطة التنمية التاسعة لم تتطرق إلى البيئة، ولا أدري لماذا نهمل البيئة رغم أهميتها وما تعانيه البيئة في بلادنا من تلوث تجاوز في بعض المدن المعدلات الدولية، وهذا يتوجب من منطلق التنمية المستدامة أن يكون للبيئة نصيباً كبيراً من الاهتمام في الخطط الخمسية، فالتنمية المستدامة تحتاج إلى بيئة مستدامة، والبحر الأحمر أطول بحر في العالم وقد دمرت كل السواحل بالحرث والردم والصرف الصحي وأغرقناه بالتلوث والضرر للأجيال القادمة بدلاً من تنميته ليكون مصدر عيش لهم، وحتى نعالج هذه المشكلة التي دمرت الحياة في البحر يجب أن نتبنى مشروعاً وطنياً لاستزراع الأسماك على طول الساحل لنعوض المخزون السمكي الذي استهلك بالكامل إما بالصيد الجائر أو بالتلوث. الخطط السابقة وقفت متفرجة على معاناة المواطن واحتياجاته من السكن والصحة والتعليم و«البنية التحتية» مجلس رقابي ويؤكد "د.فدعق" على أن مفهوم التنمية المستدامة يتطلب أن نشكل مجلساً رقابياً يتابع ويرصد عملية التنفيذ لبرامج الخطط الخمسية، لأن الخطط المكتوبة مثالية ولكن التنفيذ مختلف وبعيد عن تحقيق ما تحمله تلك الخطط من أهداف وبرامج. وقال إن خطة التنمية التاسعة جاءت تحمل الكثير من المعطيات لتحقيق التنمية المستدامة، ولكن ذلك يحتاج لمتابعة وعلاج تباطؤ وتيرة العمل في الجهات المنفذة لبرامج الخطة، لأن هذه الإشكالية التي جعلت ما تحقق من الخطط الثماني السابقة أقل مما يجب وأقل بكثير مما حملته الخطط المكتوبة، لأن ما ساعد ماليزيا في التفوق ونجاح خططها التنموية هو أن جميع الجهات المنفذة لها تعمل بمستوى واحد ولا توجد جهة نشيطة وأخرى بطيئة رغم التشابه بين خطة التنمية السعودية والماليزية المكتوبة في المحتوى والأهداف، مشيراً إلى أنه متفائل أن الأخطاء التي أعاقت خطط التنمية السابقة وجعلتها تأتي أقل مما هو مأمول لن تتكرر، وسيكون للخطط القادمة أثر واضح في تحقيق أهداف التنمية الشاملة. الكم يغلب الكيف! وتشير "د.بسمة" إلى أن أكبر خطأ حدث في السابق أننا ركزنا على الكم ولم نركز على الكيف، ولهذا جاءت معظم مشاريع البنية التحتية في بلادنا ضعيفة وهشة وغير جيدة، علماً أن هذه البنية التحتية غير الجيدة صرفت عليها مبالغ كبيرة ممكن أن تنشئ مدناً بكاملها. وقالت: في جامعاتنا نتحدث أن عدد الخريجين وصل إلى مائة ألف في السنة، ولكن لم نفكر في المستوى الذي تخرج به هؤلاء الخريجون، وهذا يتطلب أن تكون هناك آلية سليمة للتقييم، وأن نعيد النظر في الكثير من برامج تطوير الموارد البشرية، مؤكدة على أن برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي سيكون له دور كبير في تطوير الكوادر البشرية المبتعثة، وسينعكس هذا على وتيرة العمل في المستقبل، كما يجب أن نعطي الفرصة لهؤلاء عند عودتهم في العمل وتولي إدارة دفته حتى لا يصطدمون بأصحاب الفكر السلطوي وحماة الروتين الذين عطلوا العمل وابطأوا وتيرة التنمية. القطاع الخاص وخطط التنمية وعن مدى استجابة القطاع الخاص للشراكة مع الدولة في تنفيذ الخطط لتحقيق معدلات النمو المستهدفة، يقول "د.ابن صقر" ان السياسة العامة للدولة تولي أهمية كبرى لتنمية الموارد البشرية وتنويع مصادر الدخل وزيادة استثمارات النشاط الاقتصادي غير النفطي، وهذا يعكس تقدير الدولة للتنمية بمعناها الشامل التي تضمن الاستقرار الاقتصادي وتحمي الاقتصاد الوطني من الأزمات، ومن ثم توسيع سلة الدخل الوطني؛ معتمدة في ذلك على التنمية البشرية وزيادة المداخيل غير النفطية، وهذا يعني أن القطاع الخاص موجود بقوة على خريطة تخطيط الدولة. وأضاف أن هناك دلالات مهمة على ذلك نذكر منها؛ أنه في إطار سياسة تنويع مصادر الدخل وتنمية رأس المال الثابت فقد شكلت استثمارات النشاط الاقتصادي غير النفطي مانسبته 89.6% من إجمالي استثمارات خطة التنمية السابعة التي اشتملت على استثمارات القطاع الخاص غير النفطي الذي بلغت حصته نحو 75.6% من إجمالي الاستثمارات، مما يؤكد أنه أصبح دعامة رئيسية للاقتصاد الوطني، وفي المقابل يجب أن يدرك القطاع الخاص أهميته في عملية التنمية الشاملة برمتها وعليه أن يواكب التطورات العالمية والإقليمية التي فرضتها العولمة والتحديات الجديدة، ومن ثم عليه أن يكون قادراً على المنافسة العالمية وأن تسعى شركاته ومؤسساته إلى الاندماج أو التكامل حتى تكون قادرة على ارتياد أسواق جديدة والوصول إلى الأسواق الإقليمية والعالمية وهي مسلحة بالجودة والقدرة على المنافسة وعلى هذا القطاع أن يستفيد من الفرص التي تتيحها له الدولة. د.عشقي:المشروعات والخدمات المتوفرة حالياً لا تعكس حجم «التريليونات» المصروفة طوال السنوات الماضية! مشاركة فاعلة ويؤكد "د.فدعق" على ضرورة مشاركة القطاع الخاص وعلى أهمية هذه المشاركة في تنويع مصادر الدخل، وأن يكون لهذا القطاع دور في كسر الاعتماد على مصدر واحد للدخل الوطني، مشيراً إلى أن القطاع الخاص حظي بتركيز واهتمام من خطط التنمية إيماناً من الدولة بأهمية القطاع الخاص، ودوره الفعال في التنمية الشاملة، حيث حقق هذا القطاع مشاركة ونمواً جيداً في بعض المجالات، وهو واضح جلي في السنوات الأخيرة، ولكن يجب أن يكون لهذا القطاع دور أكبر في التنمية واستقطاب وتدريب الشباب السعودي لتكون التنمية متوازنة وقائمة على أسس قوية. معوقات القطاع الخاص وترى "د.بسمة" أنه على الرغم من منح القطاع الخاص الثقة والفرصة للنمو والمشاركة في التنمية، ولكن المؤسف أن بعض الجهات الحكومية لا زالت تتعامل مع القطاع الخاص بطريقة تحد من انطلاقته وتجعله يحجم عن تطوير قدراته، فبعض القوانين المعمول بها تضع العراقيل والمعوقات أمام توسع القطاع الخاص في المشاركة وهذه القوانين بحاجة إلى تعديل لتكون متماشية مع أهداف التنمية وبرامجها، وهذه الأنظمة والتشريعات المعمول بها في بعض الإدارات الحكومية تتعارض بشكل كامل مع أهداف التنمية وتتسبب في إعاقة التنمية وإبطاء مسيرتها. تعثر خطط التنمية وعن ماتحقق من خطط التنمية المتتالية في المملكة وهل يتناسب ذلك مع ما صرف عليها؟، ومن المسؤول عن تعثر بعض أهداف الخطط؟، يجيب "د.ابن صقر" أنه بفضل خطط التنمية تضاعف نصيب الفرد السعودي من الناتج الإجمالي المحلي بمعدل 0.87% سنويا منذ عام 1971م وحتى عام 2004م رغم أن النمو السكاني للفترة نفسها بلغت نسبته 3.9%، كما أن المملكة تصنف حالياً ضمن الشريحة للدول متوسطة الدخل وتسعى إلى الوصول إلى مصاف الدول المتطورة تنمويا مع بداية عام 2024م. واستشهد "د.ابن صقر" بتقرير المسيرة التنموية عام 1430ه،2009م، حيث أوضح ضخامة إنفاق المملكة على خطط التنمية البشرية منذ العام 1970م، إذ شكلت المخصصات الاستثمارية لهذا القطاع ما نسبته31% من إجمالي استثمارات أول خطة للتنمية في المملكة (1970-1974م)، وبلغت نسبته 23% في خطة التنمية الثانية، و28% في الخطة الثالثة، ثم ارتفعت النسبة إلى51% في الخطة الرابعة، و68% في الخطة الخامسة، أما في الخطط الثلاث الأخيرة فقد بلغت 75% من جملة مخصصات كل خطة، وترجمة هذه النسب إلى أرقام، مشيراً إلى أن الواقع يقول: لقد تم إنفاق أكثر من تريليوني ريال منها حوالي واحد تريليون ريال على تنمية الموارد البشرية منذ عام 1995 وحتى العام الماضي. مخرجات المستقبل ويشير "د.فدعق" إلى أن خطط التنمية أولت عناية كبيرة بتطوير الكوادر البشرية في بدايات خطط التنمية، حيث تم ابتعاث أكثر من (29) ألف طالب للدراسة في الخارج، وهؤلاء المبتعثون هم الذين يتولون في الوقت الحاضر الوزارات والتدريس في الجامعات، وسنرى مستقبلاً مخرجات رائعة من جامعة الملك عبد الله وغيرها من الجامعات، كما أن برنامج خادم الحرمين الملك عبد الله للابتعاث للخارج سيساهم في تحقيق آلاف الطلاب المؤهلين علمياً على أفضل مستوى، وهذا في إطار تنمية الموارد البشرية التي هي ركيزة التنمية الشاملة. ويتساءل "د.عشقي" إذا صرفت الدولة تريليونين على خطط التنمية الماضية، فالمفروض أن تكون المخرجات بحجم هذين التريليونين؟، فأجد مثلاً أستاذاً في المدرسة قادراً على توصيل المعلومة للطلبة، وأن تكون المدرسة في مبنى جيد، بينما الواقع خلاف ذلك، فلا زالت 60-70% من مدارسنا مستأجرة هذا في جدة فقط، فأين ذهبت هذه التريليونات؟، ويفترض اليوم أن نكون في وضع أفضل لأن الدولة لم تقصر في اعتماد الخطط والميزانيات الكبيرة للتنمية، لكن المؤلم أن بعض المسؤولين عن تنفيذ برامج ومشاريع خطط التنمية ليسوا في مستوى طموحات ولاة الأمر، ولم يكن عندهم الإدراك بأهمية الجودة في ما ينجزونه ليكون محققا لأهداف هذه التنمية. المرأة وخطط التنمية وعن موقع المرأة في خطط التنمية وإذا كان هناك تجاهل فيما مضى من خطط التنمية كيف يمكن تداركه؟، وتجيب "د.بسمة" أن ماكتب في خطط التنمية المتعلق بالمرأة ممتاز، ولو نفذ 50% مما ورد في خطط التنمية الخاص بالمرأة لكان وضع المرأة أفضل بكثير مما هوعليه الآن، وسيحدث نقلة نوعية للمرأة، ولكن هذا لا يعني أن المرأة لم تأخذ حقها في خطط التنمية التي أعطتها حقها في التعليم، ولكن المرأة تريد أكثر من ذلك، وهو أن تشارك في التنمية وأن توفر البنية التحتية التي تساعدها على ذلك، ومنها توفير حضانات لأطفالها مرخصة تطمئن على وضع أولادها فيها أثناء عملها، وتوفير مواصلات عامة لائقة تستطيع المرأة من خلالها الانتقال من بيتها إلى عملها والعكس وهي مطمئنة على نفسها، وتطبيق الدوام الجزئي، وتمكين المرأة أن تستثمر أموالها كالرجل تماماً، وأن تعالج العراقيل الموجودة في الأنظمة والتي تحد من ممارستها للأعمال الحرة، فالمهم ليس أن تشتمل خطط التنمية على برامج وأهداف خاصة بالمرأة مكتوبة فقط، وإنما يجب أن تطبق على أرض الواقع ويجب أيضا أن تكون المرأة نفسها مشاركة في وضعها، وهذا يتطلب أن تعطى الفرصة للمرأة أن تكون في مراكز اتخاذ القرار. وتشير "د.بسمة" إلى أن جزءاً كبيراً من التريليون الذي صرف على تنمية الموارد البشرية كان لتعليم المرأة منه نصيب كبير، ولكن المؤسف أن تعليم المرأة لم يستغل بسبب الحظر على المرأة أن تشارك بعلمها في الكثير من المجالات وقصرها على الرجل، وبالتالي بقيت الكثير من النساء المتعلمات في بيوتهن ولم تتح لهن الفرصة للمساهمة في التنمية. لا يمكن أن تنجح التنمية بتهميش المرأة والوصاية عليها وحصر طاقتها في عمل المنزل! وعي المجتمع بدور المرأة ويؤكد "د.فدعق" على أن خطط التنمية السابعة والثامنة والحالية التي أقرت مؤخراً من خادم الحرمين الملك عبد الله -حفظه الله- اهتمت بالكثير من الجوانب الخاصة بالمرأة، حيث حصلت على الكثير من حقوقها، إيماناً من أن المرأة تمثل 50% من المجتمع ولا بد أن يكون لها دور أكبر، وقد بدأ الوعي بشكل كبير بدور المرأة وأنه لا يقل بأي شكل من الأشكال عن الرجل مع أيماننا العميق أن المرأة السعودية حريصة على دينها وخلقها وعفتها ولا تحتاج وصاية من أحد في هذا الأمر، ومن حقها الطبيعي أن تأخذ فرصتها في المساهمة في التنمية بعلمها وعملها، فالنساء شقائق الرجال، وليس من العدل في شيء أن تبقى هذه النسبة الكبيرة من المجتمع معطلة. سؤال منطقي ويعلق "د.عشقي" من أنه لا يمكن أن تنجح التنمية بتهميش المرأة، مشيراً إلى أن نسبة المرأة في المجتمع 50% فكيف تكون التنمية ناجحة وأنا أجمد 50% من المجتمع، وأن أجعل خصوصية المرأة سبباً في الحد من فرصتها في المساهمة في التنمية في كل المجالات، والأمر الآخر يجب أن نهتم بمدارس البنات ونوفر فيها كافة متطلباتها التربوية والرياضية ونستغني عن المباني المستأجرة التي تخنق العملية التربوية والتعليمية وينعدم فيها المناخ التربوي السليم الذي يجب أن يتوفر في المبنى المدرسي. خطة التنمية التاسعة.. تحقيق 13 هدفاً في خمس سنوات وافق مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 20/4/1431ه على الأهداف العامة لخطة التنمية التاسعة (1431/1432ه - 1435/1436ه)، وتشمل: الهدف الأول: المحافظة على التعاليم والقيم الإسلامية وتعزيز الوحدة الوطنية والأمن الوطني الشامل وضمان حقوق الإنسان وتحقيق الاستقرار الاجتماعي وترسيخ هوية المملكة الإسلامية والعربية. الهدف الثاني: الاستمرار في تطوير المشاعر المقدسة والخدمات المقدمة إلى الحجاج والمعتمرين والزوار بما يكفل أداء الشعائر بيسر وسهولة. الهدف الثالث: تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وذلك من خلال تسريع وتيرة النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية. الهدف الرابع: تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة وتعزيز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. الهدف الخامس: تعزيز التنمية البشرية وتوسيع الخيارات المتاحة للمواطنين في اكتساب المعارف والمهارات والخبرات وتمكينهم من الانتفاع بهذه القدرات المكتسبة وتوفير مستوى لائق من الخدمات الصحية. الهدف السادس: رفع مستويات المعيشة وتحسين نوعية الحياة لجميع المواطنين. الهدف السابع: تنويع القاعدة الاقتصادية أفقياً ورأسياً وتوسيع الطاقات الاستيعابية والإنتاجية للاقتصاد الوطني وتعزيز قدراته التنافسية وتعظيم العائد من ميزاته النسبية. الهدف الثامن: التوجه نحو الاقتصاد المبني على المعرفة وتعزيز مقومات مجتمع المعلومات. الهدف التاسع: تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتوسيع مجالات الاستثمارات الخاصة (الوطنية والأجنبية) ومجالات الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص. الهدف العاشر: تنمية الموارد الطبيعية - وبخاصة الموارد المائية - والمحافظة عليها وترشيد استخدامها وحماية البيئة وتطوير أنظمتها في إطار متطلبات التنمية المستدامة. الهدف الحادي عشر: مواصلة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والمؤسسي وتطوير الأنظمة ذات العلاقة برفع الكفاية وتحسين الأداء والعمل على ترسيخ مبدأ الشفافية والمساءلة ودعم مؤسسات المجتمع المدني في تطوير أنشطتها الإنمائية. الهدف الثاني عشر: تعزيز التكامل الاقتصادي مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية الأخرى وتطوير علاقات المملكة بالدول الإسلامية والدول الصديقة. الهدف الثالث عشر: تطوير قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة لزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي واستحداث الأطر لرعايته وتنظيمه. خلاصة الرؤية المستقبلية.. اتفق المشاركون في الندوة على أن خطط التنمية المكتوبة مثالية وممتازة، ولو تحقق 50% مما حملته خطط التنمية المكتوبة فإن الوضع سيكون مختلفاً بشكل كبير مما هو عليه الآن، والسبب أن بعض الجهات المعنية بتنفيذ خطط ومشاريع التنمية لم تكن بالكفاءة التي تؤهلها لإنجاز مفردات خطط التنمية في كل خطة، وهذا يتطلب آلية أكثر دقة في متابعة تنفيذ هذه الخطط. وأكد المشاركون في الندوة على أن خطط التنمية ساهمت في إحداث نقلة جيدة في البلاد من مختلف الجوانب، مشيرين إلى أن حتمية التنمية تفرض في المستقبل أن نركز على جوانب هامة في مقدمتها، وتنويع مصادر الدخل، وإعطاء القطاع الخاص فرصة أكبر ليساهم في المشاركة بفعالية في التنمية وأن نهتم بتنمية الموارد البشرية وأن نعالج البطالة والفقر في المجتمع. وطالب «د.فدعق» بالتركيز على ست نقاط أساسية بشكل جوهري وهي الاهتمام بفئة الشباب، وفئة كبار السن ممن هم فوق ال 65 سنة، والفقراء، وضرورة أن ينعكس الدخل الكبير للبلاد على مستوى المعيشة للمواطن، وكذلك توفير المساكن للمواطنين، وأخيراً الاهتمام بفئة المعاقين وإتاحة الفرصة لهم بأن يمارسوا حياتهم بشكل طبيعي بجعل مدننا صديقة للمعاقين. وأكد «د.عشقي» على ضرورة أن تحقق التنمية أهدافها المتعلقة بالمحافظة على القيم الإسلامية المعتدلة، وتعزز الروح الوطنية، وأن تولي عناية خاصة بالبيئة، لأن التنمية المستدامة لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود بيئة صحيحة مستدامة. المشاركون في الندوة د.طارق فدعق عضو مجلس الشورى ورئيس المجلس البلدي بجدة سابقاً د.عبد العزيز بن عثمان بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث د.علي بن عدنان عشقي الخبير البيئي- جامعة الملك عبد العزيز د.بسمة العمير ناشطة في حقوق المرأة