لم تكن فكرة الجنادرية مجرد احتفال «فلكلوري» بحشد من مختلف الثقافات والأجناس، بل كانت فكرة حضارية تستشرف الموروث والمعاصر، وتعقد الندوات والحوارات في الشؤون المعاصرة، ولم تكن حكراً على الرجل، بل كانت المرأة حاضرة بوجودها المتعدد، مثقفة، ومهندسة وطبيبة وأمّاً وغير ذلك، ومن منابر هذه المناسبة التي تتكرر كل عام شهدنا كيف تحولت الجنادرية إلى لقاء سنوي الكلّ يتطلع إليه ليرى الجديد والقديم، وآمال المستقبل البعيد التي تخطط لها المملكة وأجيالها المتتابعة.. خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، هو من أسّس ورعى، وقدم الكثير ليجعل من مؤسسة عسكرية محتوى للفكر كخيار إنساني، بالدرجة الأولى، وعلمي وثقافي يربطان التراث بالمعاصرة، وإيجابيات هذا العمل الكبير أنك ترى الشمال، والجنوب، والشرق والغرب تلتقي في عرض وطني شامل يضعك أمام التاريخ، كيف كانت حياتنا بأبعادها الإنسانية وموروثها الشعبي، وكأننا أمام تاريخ حاضر بأدواته ووقائعه بصورة شاملة، وكيف التقى المنزل الحجري بالطيني، والخيمة بالعشة، وكيف غنى شعبنا لأفراحه في المناسبات المختلفة، وناضلَ من الآباء والأجداد في إيجاد الأسرة وحمايتها، وكيف ظل المجتمع في أعلى مراحل التكافل رغم الفقر والظروف الصعبة.. وفي الحاضر، ومع التنمية المتصاعدة، والدخول في شراكة مع بيوت العلوم والاقتصاد، والقفزات الهائلة في التعليم والبناء المتكامل للقرية والمدينة، وفق الأساليب الحضارية المعاصرة، ظلت الهوية الوطنية فوق كل الاعتبارات المختلفة حتى إنه باتساع العلاقات في بيئة المدينة التي جمعت كل أجناس الوطن والعاملين من مختلف دول العالم، وجِد جيل معاصر يريد المنافسة على البحث والارتقاء بالمستوى العلمي والثقافي والسياسي دون هيبة أو خوف من مصير مجهول، حتى إن تدفق الأموال في بناء حضاري متكامل جاء كفرضية حتمية لا صدفة جغرافية في زمن محدد.. رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للمهرجان، تكسبه روح الأبوية التي يتجلى فيها سلوك هذا الرجل الذي تضاعفت محبته بشكل غير مسبوق، وسعادته وهو يرى كيف قفزت بلاده إلى رقم كبير، ليس فقط في المال، بل الإنسان منشآته الجامعية، ومدارسه ومدنه وقراه وموازاتها بالتطلع إلى مستقبل آخر يتضافر فيه إنسان مبدع في وطن تتكامل فيه مستلزمات الحياة الجديدة بتحدياتها التي لابد من التغلب عليها بمنجزات جديدة في الابتكار والتجديد، والاختراع، وهي ليست أحاجي أو معجزات لايمكن تحقيقها إذا ما عرفنا كيف اقتحمنا جامعات العالم بأكبر عدد من المبتعثين في كل الاختصاصات، وما وصلت إليه جامعاتنا ومعاهدنا ومراكز بحوثنا في أكبر إنجاز تاريخي في استثمار الإنسان كمحور للصعود إلى مراكز متقدمة في العالم، وكيف أن الحوافز التي أعطتها الدولة بسخاء سيكون مردودها كبيراً في كل ميادين التنمية والتقدم الحضاري..