حرصت على حضور ملتقى التراث العمراني الذي عقد في جدة 18/12/1432ه ، و بالأخص حلقة النقاش التي خصصت لدور البلديات في المحافظة على مواقع التراث العمراني وتنميتها ، بهدف التعرف على التوجهات العامة لهيئة السياحة و الآثار في مجال الحفاظ على الآثار التي قُضي على الكثير منها خلال العقود الماضية سواء بالإهمال أو بذرائع شتى. فإذا برئيس الجلسة يحصر النقاش على مدى ساعة و نصف في نقطتين ، الأولى تتعلق بالهيكلة الإدارية في الأمانات و البلديات بحيث يتم إيجاد وحدة إدارية مختصة بالتراث العمراني ، و الثانية بتمويل أنشطتها ، و ظل يقاطع كل من يخرج عنهما ، و هما نقطتان يمكن حسمهما في ربع الوقت المخصص للجلسة ، و كنت أرى إفساح المجال لوجهات النظر الأخرى ، المتعلقة بآليات عمل البلديات المقترحة للحفاظ على التراث العمراني ، و منها معايير ما يُعتبر تراثاً عمرانياً ، و العمل على رصده لكي يمكن الحفاظ عليه. و تذكرت حينها كيف أتى مشروع توسعة الساحات الشمالية للمسجد الحرام على العديد من المباني التراثية التي كان من الممكن تأهيلها و استبقاؤها كمعالم تراثية و استثمارها اقتصادياً ، خصوصاً التي كانت على أطراف المساحات المنزوعة ، و أذكر أنني طلبت من معالي أمين العاصمة العمل من أجل ذلك ، و تذكرت أيضاً مقترح تطوير المنطقة المحيطة بقلعة أجياد بما يتضمن إبقاءها و بناء مجموعة فنادق حولها ، لنفس الأهداف التي تتبناها هيئة السياحة و الآثار حالياً التي يجسدها شعارها الجديد (التراث العمراني و من الاندثار إلى الاستثمار) و لكن للأسف لم تتم الاستجابة للمقترح و تم إزالتها خلال 36 ساعة ، و بُني مكانها أبراج شاهقة لا تمت للتراث العمراني في مكةالمكرمة بصلة ما خلا بعض اللمحات المتكلّفة. و الآن يجري الحديث عن معالجة حوالي 150 حيا في منطقة مكةالمكرمة اصطلح على تسميتها بالعشوائية ، و هي في الواقع ليس كلها عشوائية ، فبعضها أحياء قديمة بُنيت وفقاً لمقتضيات عصرها ، جاورتها مساحات بُنيت بالفعل بطريقة عشوائية. و في رأيي أنه بالتأكيد توجد في تلك الأحياء القديمة بعض المباني التي تعتبر ضمن التراث العمراني ، التي يجب المحافظة عليها و ترميمها ، و لذلك فالواجب أن يتم تمشيط جميع الأحياء المستهدفة بالتطوير و مراعاة أن يتم المحافظة على ما يعتبر تراثاً و ترميمه و تطويره ليكون ضمن المرافق الثقافية و الترفيهية للحي ، خصوصاً و أن سمو أمير المنطقة بشّر باعتماد أسلوب جديد في التطوير -كثيراً ما طالبت به- يستند إلى قيام الدولة بتأسيس البنى التحتية و شق الطرق و بناء المرافق ، و ترك التطوير يأخذ وقته على يد السكان ، بدلاً من الأسلوب القائم على الإزالة الكاملة للأحياء و إخراج أهلها منها و تمليكها لغيرهم في شكل شركات تطوير لإعادة بنائها بالكامل ، وهي طريقة تخلق أحياء منزوعة الروح إن صحت التسمية. فالأحياء القديمة نشأت و نمت و تطورت بفعل سكانها ، و لهم فيها بصمات ، و لها في نفوسهم و وجدانهم مكانة و عبق و ذكريات .الأحياء القديمة تجسد أسلوب حياة ، و تسرد تفاصيل حياة اجتماعية و ثقافية و اقتصادية و هذا ما أعنيه بالروح. إنني أعجب من استمرار إعلان الشركات المطورة ومنها الشركة المعنية بإزالة حي الرويس في جدة عن بقائها على أسلوب الهدم و الإزالة و نزع ملكيات سكان الحي لصالحها ، وهو أمر فيه الكثير من عدم العدالة مع سكان الحي الذين دفعوا ثمن إهمال حيهم و الآن يدفعون الثمن مرة أخرى. و الله المستعان. و بمناسبة الحديث عن العشوائيات فقد سمعت أثناء حضوري ملتقى التراث العمراني من المهندس ماجد برهان عضو جمعية عيون جدة تسمية أخرى للأحياء العشوائية و هي الأحياء التنموية ، و قد أعجبني الاسم من زاويتين الأولى أنه اسم غير جارح لسكان تلك الأحياء ، الذين يدفعون –كما أسلفت- ثمن قصور خطط تنموية بعيشهم في أحياء لا يتوفر فيها الكثير من الخدمات و المرافق الأساسية ، و الثانية أن تطويرها بشكل صحيح سيحدث تنمية مستدامة فيها من أجل سكانها الأصليين. و لذلك فإنني أدعو اللجنة الخاصة بمعالجة الأحياء العشوائية للنظر في التسمية الجديدة و تبنيها بدلاً من الاسم الحالي. و الله الموفق.