بنيت المملكة وفقاً لهوية عمرانية رسمها ساكنوها، واتسمت هويتها بأنماط متعددة من النسيج العمراني، ومع مرور الزمن تحولت بعض المباني والأحياء التراثية في كثير من المدن مرتعاً للعمالة المتخلفة ونواة للعشوائيات السكنية. ولقد تنامى في الآونة الأخيرة الاهتمام بالحفاظ على التراث العمراني بالمملكة، من خلال حماية الأحياء والمباني التراثية والتاريخية القديمة من التخريب والتعدي الذي حدث لها، كما أنه في الوقت ذاته محاولة لإنقاذ المدن من فقدان هويتها وطابعها العمراني. إن هذا التوجه الايجابي الذي تعمل عليه حالياً الهيئة العامة للسياحة والآثار للاستفادة من المباني التراثية والحفاظ عليها وتحويلها إلى منتجات اقتصادية، والقيام كذلك بزيارات للمعنيين في المدن والمحافظات لاستطلاع تجارب الخبرة في مجالات التنمية السياحية والتراث العمراني، سيسهم بلاشك في نمو الحركة العمرانية والاقتصادية والسياحية، إلا أنه يجب التنبيه على أن عملية التنمية في الحفاظ على الهوية والتراث العمراني لا يقتصر على إعادة تأهيل المواقع التراثية فقط، وإنما يفترض أن يتعداها ليستكمل تطوير البنية الأساسية والخدمات المجتمعية بها، من خلال منظومة تطويرية شاملة للمجتمعات المحلية اقتصادياً واجتماعياً وعمرانياً ليؤدى إلى ضمان تحقيق فاعلية وتجانس أكبر بين سكان تلك المدن مع المشاريع التي تستهدف التراث العمراني وبالتالي تحقق النتائج الايجابية لنمو القطاع السياحي. مع ضرورة النظر في أهمية استثمار تلك المباني والمواقع التراثية بعد تأهيلها لتخرج من نمطيتها المعتادة كمتاحف ومزارات جامدة، لتصبح جزءاً اقتصادياً حيوياً ضمن نسيج المدن يساعد في زيادة دخل ساكني المدن من خلال توفير الفرص الاستثمارية والوظيفية المختلفة. * متخصص في التخطيط العمراني