* وهذه قضية أخرى أطرحها اليوم، وكلي يتمتم ويتألّم، خاصة وأن القضية تمس الأجيال الذين هم عماد المستقبل، والذين هم أهم معطيات الآتي الذي نريده يكون أفضل من اليوم، كما نريده أن يكون جميلاً مشرقًا، لكن المعاناة أن لا أحد يُفكِّر في أحد، كما أن لا أحد يبكي على أحد، وهنا تكون المأساة أكبر، ومن لغتي الجميلة وكتابها المقرر على التلاميذ في الصف الرابع الابتدائي؛ اخترت لكم هذه القصيدة للشاعر عبدالغني الرصافي -وهو شاعر عراقي كبير- والتي قرر السادة التربويين قصيدته هذه المعنونة ب(على الخوان) على الأطفال الصغار، وهي قصيدة جميلة بالطبع، لكني أقسم لكم أنهم لو قرروها على طالب في الصف الثالث الثانوي في القسم الأدبي لما استطاع حفظها، ولا فهمها، ومطلعها يقول: اكب على الخوان وكان خفا.. فلما قام أثقله القيام.. ..... ووالى بينها لقمًا ضخاما... فما مرئت له اللقم الضخام.......... وعاجل بلعهن بغير مضغ.. فهن بفيه وضع فالتهام)... إلخ القصيدة، وهنا تكمن مأساة الصغار معها في الحفظ، وفي الفهم، وهي القضية التي أتناولها اليوم لكي أقول للمهتمين: إن مهمة إعداد المناهج هي ليست طباعة فاخرة، ولا هي بالمهمة السهلة، وإن استمرت هذه القصيدة في منهج لغتي الجميلة فهو فعل سيحولها إلى لغة مكروهة بقوة، فهل يعي السادة التربويون قيمة هذا الفعل، وأهمية أن تكون لغتي الجميلة جميلة فعلاً..؟!! * وكيف تكون لغتي جميلة في ذهن الطفل الذي سيذكر يومًا أنه عاش معاناته معها من الطفولة، عاشها في قصيدة مُعقّدة، ومفردات لا يعرف معناها، وكيف يحبّها وذاكرته سوف تحمل حكاية كانت أصعب من كل الحكايات، وكلكم يعرف أن الطفل يحمل معه عالمه كله لحظة بلحظة، ولأهمية ذلك كانت الكتابة لمن يهمه أمر التعليم، ليرى ما فعله أولئك الذين قرروا بأن تكون هذه القصيدة ضمن منهج الصف الرابع الابتدائي، ليصنعوا منها معاناة للغة التي نريدها أن تكون فعلاً جميلة في ذهن الطفل، ليكبر وينمو وهو يحبها، وأعجب كيف يحبها وهو يبكي قبل الاستذكار، وقبل الحفظ والوقوف في الفصل لإلقاء القصيدة؛ التي يستحيل أن يفهمها طفل صغير في سنّه، فهل الحكاية مُسمَّى فقط؟ وهل نُقدِّم الجمال بهذه الطريقة؟ ولمَن يا سادتي.. لطفل ما يزال في سن مبكرة..؟!! * (خاتمة الهمزة).. من نتائج تطوير المناهج أن الكتاب صار كتابين، وأن لغتي الجميلة بدأت معقّدة، والدليل قصيدة: (اكب على الخوان وكان خفا.. فلما قام أثقله القيام).. وهي خاتمتي ودمتم.