كان يجلس بجواري على مقاعد الدرجة السياحية وأنا في طريق العودة من القاهرة شخصية مصرية يبدو عليها الشموخ والعزة والكرامة، وكأنها إحدى القيادات زمن الرئيس جمال عبدالناصر، سألته عن مستقبل مصر بعد ثورة 25 يناير، فقال لي عن أي ثورة تتحدث، إن مصر تتعرض لمؤامرة كبرى منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر والذي حاكت له القوى العظمى المخططات للقضاء عليه وعلى ثورة 1952م، وبعد أن فشلوا أردوه قتيلاً ب»سم» بدا وكأنه نوبة سكري، ليخلُفَهُ «أنورالسادات» والذي تسلل إلى صفوف الضباط الأحرار وأصبح واحداً منهم وتزوج ثانيةً من فتاةٍ جميلةٍ وصغيرة بالسن ذات أُصولٍ أجنبية تُغرم به، رغم أنه لا يتمتع ولو بقدر محدود من الجمال، في الوقت الذي كان فيه مفصولاً من الخدمة وتحته زوجة وأبناء، فيصبح بمحض الصدفة رئيساً للجمهورية و»جيهان» السيدة الأولى، يا سبحان الله، كيف لا وهو عرَّاب «كامب ديفيد» وبطلها، ولأن المصريين لن يقبلوا بأي صلح مع إسرائيل بعد هزيمة عام 1967، فكان لابد من إعادة الاعتبار لهم بالنصر في حرب 1973 واستعادة أراضيهم المحتلة، انتهى دوره فتم التخلص منه، وحادثة المنصة وما يدور حولها من شكوك تؤكد تورط أطراف عدة، ثم جاؤوا ب»حسني مبارك» رئيساً ليحقق لهم السلام المنشود فلم يجدوه رغم كل ما قام به من جهود تخدم مخططاتهم فكان قرار التخلص منه، الثورة لم تُؤتِ أُكُلها بعد والمستقبل مليء بالمفاجآت وليس بمقدور أي شخص الحكم على التجربة والتنبؤ بنتائجها في الوقت الراهن، حالة الانفلات الأمني وتعديل الدستور، الاعتداء المدبّر على سفارة العدو الإسرائيلي، قمع المتظاهرين، المحاكمات العسكرية، أحداث ماسبيرو، أزمة القضاة والمحامين، تقييد الإعلام والعودة إلى قانون الطوارئ، ما هو إلاّ شكل من أشكال الانقلاب على الثورة، فقاطعته قبل أن يتجاوز الخطوط الحمراء: على رسلك سيدي وإن كنت أظن أنها قراءة تمثل رأيك وأنت وحدك من يتحمل مسؤولية ذلك، أما أنا فأرفض ما ذكرته شكلاً وموضوعاً جملةً وتفصيلاً، فنظر لي شذراً وهو يغادر إلى مقعد آخر ولسان حاله يقول: «الحق عليَّ أنا اللي غلطان».