أمام النظام في سوريا فرصة لا ينبغي تفويتها، وأمام النظام الإقليمي العربي مهمة لا يجوز التنحي عنها، فتداعيات الأحداث في سوريا والتفاعلات الإقليمية والدولية بشأنها توشك أن تضع سوريا في مواجهة خيارات باهظة التكلفة، وفي الحالة السورية الراهنة فإن رهان النظام في دمشق على عنصر الزمن لكسب معركة الحكم مع الشارع، هو بذاته رهان قد يكون فادح الثمن. عندما ألقت الجامعة العربية بثقلها لمعالجة الملف السوري، فإن همها الأكبر كان وضع حد لنزيف الدم السوري، والحيلولة دون تدويل الأزمة، والعمل على عودة الأمن والاستقرار إلى ربوع هذا القطر العربي الشقيق بما يحفظ وحدته وسيادته وترابه الوطني ودوره الهام على الصعيدين الإقليمي والدولي. لكن تصريحات الرئيس السوري لصحيفة «صنداي تلجراف» البريطانية قبل أيام بالتزامن مع اجتماع اللجنة الوزارية العربية المكلفة بإعداد خطة لوقف العنف الذي تزداد وتيرته يومًا بعد يوم بسقوط المزيد من الضحايا والأبرياء في سوريا، جاء ليقوض فرص الحل ويشعل احتمالات التصعيد خصوصًا مع ما صاحبه من أعمال قمع وحشية للمتظاهرين قتل خلالها في أيام قرابة مائتي قتيل ما يشير إلى إصرار النظام في سوريا على التصعيد ورفضه لجهود التسوية على أساس الحوار المتكافئ مع قوى المعارضة في مناخ يسمح لها بالتعبير الحر عن أفكارها والطرح الأمين لمطالبها دون ضغوط. منهج الجامعة العربية في التعامل مع الملف السوري يستحق كل التقدير إذ يعكس نضجًا في الأداء وتقديرًا رفيعًا للموقف، وتقييمًا عميقًا للمخاطر والفرص الكامنة في تلك الأزمة، فضلاً عن أنه يعكس انحيازًا واضحًا من الجامعة إلى جانب الخيارات الشعبية، ثم أنه يجسد وعيًا عربيًا أنضجته التجربة الليبية بأن ثمة التزامًا عربيًا واجبًا بتجنب التدخل الدولي ونزع العوامل التي قد تقود إليه، لكن هذا الوعي الذي يعكسه الموقف العربي في إجماله، قد لا يقود إلى النتائج المرجوة ما لم تدرك دمشق أن الوقت قد حان لتقديم تنازلات مؤلمة لصالح شعبها، وأن الفرصة السانحة عبر طاولة الحل العربي، قد لا يكون أمامها متسع من الوقت للمماطلة والتسويف، في ضوء ما تردده عواصم غربية بشأن السعي للحصول على غطاء أممي لتدخل عسكري لحماية المدنيين في سوريا. أمام النظام في سوريا فرصة زمنية تضيق مع الوقت، ولدى العرب الآن بعد موقفهم الإيجابي مما يحدث في سوريا آلية جديدة نأمل أن تفلح في لجم التدهور على الأرض.