يمكن اعتبار انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي شهدتها تونس مؤخرًا بأنها تدشين لمرحلة جديدة في تاريخها الحديث، ليس فقط لأنها المرة الأولى التي ينتخب فيها هذا البلد العربي دون أن تعرف النتيجة مسبقًا، وليس لأن تلك الانتخابات جرت في أجواء من النزاهة واستبعاد التزييف والتزوير في صناديق الاقتراع، أو منع البعض من الإدلاء بأصواتهم، وإنما أيضًا لأنها ستحدد مصير ومستقبل تونس في مرحلة انتقالية ثانية يتم خلالها الإعداد لدستور جديد في البلاد وتنظيم انتخابات جديدة في ضوء الدستور الجديد ليحل محل دستور 1959، وهو ما يعني أن الشعب التونسي ستتوفر له الفرصة خلال المرحلة الانتقالية الثانية للحكم على مصداقية حزب النهضة والحزب أو الأحزاب الأخرى التي يمكن أن تشاركه الائتلاف في حكم البلاد خلال تلك الفترة - بعد أن حقق الفوز في الانتخابات بنسبة جيدة - قبل أن يدلي برأيه النهائي في الانتخابات المقبلة. مؤشرات أجواء الحرية غير المسبوقة التي عمت أرجاء تونس التي يعتبر الإقبال الشديد على الانتخابات وإجرائها بشكل سلس ومنظم أحد مظاهرها، هذه المؤشرات تثبت أن الشعب التونسي يمتلك من المقومات الحضارية والإنسانية ما يؤهله للنهوض بتونس إلى آفاق التقدم والرقي والرخاء التي تليق بها وبحضارتها التي تعتبر قرطاجة وجامع الزيتونة وابن خلدون والقيروان والشابي بعض شواهدها . الانتخابات التي أشاد العالم بها تعتبر بداية البداية لمولد تونس جديدة أكثر قدرة على النهوض بآمال شعبها، وأكثر انفتاحًا وتفاعلاً مع محيطها العربي والدولي، مع الأخذ في الاعتبار أن الطريق نحو المستقبل ليس سهلاً، وإنما يتطلب تضافر الجهود وتحقيق الشراكة الكاملة في المسؤولية والواجبات الوطنية بين الشعب والقيادة للوفاء بالتزامات واستحقاقات المرحلة الجديدة بدءًا من إعادة بناء المؤسسات الدستورية وإرساء دعائم دولة القانون وتحقيق المساواة بين كافة أطياف الشعب التونسي وليس نهاية بحقن الاقتصاد التونسي بعوامل ومقومات الإنعاش، وتهيئة المناخ المناسب لفتح باب الاستثمار الخارجي الذي يعتبر المحرك الأساس لدفع التنمية المستدامة في بلد كان يعاني من الفقر والبطالة بنسب مرتفعة بالنسبة لتعداده السكاني. نجاح الانتخابات التونسية يفتح أبواب الأمل أمام عودة تونس منارة للحرية وفنار حضارة تشع بنورها عبر المتوسط كما كانت عبر العصور.