المركز الوطني للعمليات الأمنية يتلقى (2.720.218) اتصالًا عبر رقم الطوارئ الموحد (911)    تحذير عالمي: 700 مليون شخص يواجهون خطر النزوح بحلول 2030 بسبب نقص المياه    القيادة تهنئ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة بذكرى اليوم الوطني لبلاده    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي للتأهب والاستجابة للطوارئ النووية والإشعاعية في الرياض    ارتفاع عدد قتلى الفيضانات في إندونيسيا إلى 631    جدة تستضيف الجولة الختامية من بطولة السعودية "تويوتا للباها 2025"    سوق «أسماك القوزين» وجهة اقتصادية تنتظر التصحيح    فيصل بن مشعل: مبادرة أرض القصيم خضراء نموذجًا عالميًا في تنمية الغطاء النباتي    الديوان الملكي: وفاة صاحب السمو الأمير عبدالله بن فهد بن عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود    وزير الطاقة يطلق منتدى الاستثمار المشترك.. السعودية وروسيا.. مرحلة جديدة من التعاون الشامل    أعادت إشعال الضفة باقتحامات واسعة.. إسرائيل تناقض الهدنة وتكثف القصف على غزة    علماء الآثار الروس يكتشفون آثارًا فنلندية وقطعًا معدنية عربية في منطقة إيفانوفو    اعتداء جديد للمستعمرين يعطل مصادر المياه في «رام الله»    قوات الاحتلال تحتجز فتاة وتعتقل طفلًا    افتتح معرض هانوفر ميسي..الخريّف: المملكة محرك رئيسي للتحول الصناعي العالمي    تصنيف صندوق الاستثمارات العامة عند (A-1)    في مستهل مشواره بكأس العرب 2025.. الأخضر يواجه عمان.. والمغرب يلاقي جزر القمر    نحو مجتمع أكثر صحة وحيوية    في قمة الجولة 15 من الليغا.. برشلونة يواجه أتلتيكو مدريد لتأكيد الصدارة    سمو أمير قطر يفتتح كأس العرب    طالب جامعة شقراء بتعزيز جهودها في التحول.. «الشورى» يوافق على تعديل مشروع نظام حقوق المؤلف    شراكة مؤسسية تمهد لدمج أوسع لذوي التوحد في الاقتصاد    هنيدي خارج السباق الرمضاني    التعالي الصامت    «مركز الموسيقى» يحتفي بإرث فنان العرب    «البحر الأحمر السينمائي» يكشف عن برنامجه الشامل    فيصل بن خالد يستعرض تقرير "أدبي الشمالية"    «التخصصي» ينقذ طرف مريض بالجراحة «ثلاثية الأبعاد»    البكتيريا المقاومة للعلاج (2)    الفيصل يدعم الأخضر قبل مواجهة عُمان في كأس العرب    البروفيسورة حياة سندي تنضم لجائزة Galien    الكتابة توثق عقد الزواج عند عجز الولي عن النطق    محافظ الطائف يلتقي رئيس مجلس إدارة جمعية أسر التوحد    انطلاق دوري البادل 2025 في الرياض بمشاركة 26 نادياً    عد الأغنام لا يسرع النوم    لوجكستا لعلاج الكوليسترول الوراثي للأطفال    اختراق أمني يستهدف ChatGPT    وفاة أول معمرة في روسيا    اتساع أزمة الإمدادات عالميا أسعار النحاس تقفز إلى مستوى قياسي    125 مشروعا تمت ترسيتها منذ بداية العام    تقنية تعيد تمييز الروائح للمصابين    الأمير عبدالعزيز بن سعود يُكرّم الفائزين في كأس نادي الصقور 2025    أمير تبوك يطلع على تقرير عن سير العملية التعليمية بالمنطقة    الشورى يقر تعديلات في مشروع نظام حقوق المؤلف    جامعة نايف تجمع خبراء العالم لمناقشة مستجدات الأدلة الجنائية    لولو هايبرماركت السعودية توقع مذكرة تفاهم مع الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام و المسجد النبوي    دورة علمية للدعاة والأئمة والخطباء بجزيرة لومبوك الإندونيسية    نزاهة توقف 113 متهما في قضايا فساد في 5 وزارات    مقومات السعادة    تخصيص خطبة الجمعة للحديث عن النزاهة ومحاربة الفساد    من «داكوتا» إلى «إف - 35»... استثمارات سعودية تبني قوة السماء وتحمي اقتصاد الوطن    الداخلية: تخريج 99 ضابطاً من دورات متقدمة وتأسيسية    «المنافذ الجمركية» تسجل 1253 حالة ضبط    أمير الجوف يُدشِّن حملة "الولاء والانتماء"    القيادة تعزي الرئيس الإندونيسي في ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية ببلاده    أمير منطقة جازان ونائبه يطمئنان على صحة مدير عام التعليم ملهي عقدي    بحضور محافظ جدة .. القنصلية العمانية تحتفل باليوم الوطني لبلادها    أمير منطقة جازان يقدم واجب العزاء لأسرة المحنشي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ويستمر المخاض الدستوري في تونس
نشر في الشرق يوم 03 - 04 - 2012

لا يكاد يمر أسبوع في تونس، إلا وتعقد هنا وهناك ندوات وحلقات نقاش حول المسألة الدستورية. إذ كما هو معلوم، انتخب التونسيون يوم 24 أكتوبر من السنة الماضية مجلسا وطنيا تأسيسيا، الهدف منه صياغة دستور جديد بعد أن تم إيقاف العمل بالدستور القديم الذي تم إنجازه عام 1959، أي بعد استقلال البلاد بثلاث سنوات.
وبالرغم من الطابع التقدمي الذي ميز هذا الدستور، إلا أنه تعرض على يد الرئيس بورقيبة إلى تشويهات متتالية. أولها إعطاء صلاحيات واسعة جدا لمنصب رئيس الجمهورية. ثم كان الخطأ الثاني والقاتل، الذي وقع فيه مؤسس الدولة التونسية، عندما قبل بالتنصيص في الدستور على أن يبقى رئيسا مدى الحياة، فوجه بذلك ضربة موجعة للنظام الجمهوري الذي أقامه في مطلع الاستقلال، وألغى بموجبه النظام الملكي.
أما بن علي، فقد زاد من تلغيم وثيقة الدستور بالتعديلات المتتالية التي قام بها، وعزز من خلالها سلطاته، التي أصبحت مطلقة، وهو ما عزز تحويل النظام السياسي من نظام رئاسي، إلى نظام رئاسوي، أي جعل رئيس الدولة فوق المؤسسات، وخارج إطار أي شكل من أشكال المحاسبة . كما حوّل التعددية الحزبية التي كان يفتخر بها إلى صورة شكلية فاقدة لكل روح ومعنى وجدوى.
في هذا السياق، نظمت جمعية البحوث حول الديمقراطية والتنمية التي يتولى رئاستها الاقتصادي التونسي عزام محجوب، بالتعاون مع معهد الدراسات الأمنية والاستراتيجية المدعوم من الاتحاد الأوروبي، ندوة دولية مهمة حول مسألة صياغة الدستور في تونس.
هذه الندوة التي شارك فيها عديد من الخبراء العرب والأجانب، واستعرضت خلالها تجارب عديدة من البرازيل، وإندونيسيا وتركيا ومصر، افتتحها الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي.
وإذ تمخضت عن هذه الندوة أفكار عديدة، لا تخلو من الطرافة والأهمية، لعل من أبرزها أربعة لها صلة وثيقة بالمخاض الذي تشهده تونس حاليا:
– هناك اتفاق حول الاعتقاد بأن صياغة دستور في أي بلد من البلدان عملية مهمة، لكن الأهم من ذلك هو التمسك بشرعية المسار الذي تستند عليه صياغة الدستور. فشرعيته مستمدة من شرعية الشروط التي تحف بكتابته، وبمدى التقيد بسلامة الجوانب الإجرائية. إذ لا يكفي أن يكون الهدف نبيلا إذا لم تكن الوسيلة للوصول إليه صحيحة وشرعية. كما أن الثمرة الضرورية التي يجب أن يفرزها هذا المسار الدستوري هو قيام نظام ديمقراطي، قوي، يقطع كليا مع آليات الاستبداد وثقافته.
– قد ينجح بلد ما في كتابة دستور جيد ينص على كل الحقوق وجميع الحريات. لكن ذلك لن يكون كافيا. المهم أن يلتزم الجميع بتنفيذ بنوده، وتجسيدها على أرض الواقع، وأن تكون القوانين مترجمة لتلك الحقوق والحريات، وليست مقيدة لها وملتفة عليها كما حصل في تونس من قبل.
فدستور 59 ليس سيئا في الكثير من بنوده، لكن الممارسة وتلاحق التشريعات الخبيثة أفرغاه من عناصر قوته. فمثلا، أقر الدستور السابق مبدأ حرية الصحافة والتعبير، لكن الفصل المثبت لذلك، أضيفت له جملة تشير إلى أن هذه الحرية تنظم بقانون. وبدل أن يقوم القانون بتوسيع نطاق الحرية، إذا به يفرز مجلة الصحافة التي كان الإعلاميون يصفونها بالمجلة الزجرية، حيث كان معظم فصولها تبدأ ب “يعاقب الصحفي”.
– بينت تجارب عديدة، ومن بينها تجربة البرازيل، أن كتابة الدستور ليست مهمة ينجزها فقط من تم انتخابهم، وإنما أيضا تلعب المشاركة الشعبية أدوارا حاسمة في مختلف مراحل المخاض الدستوري. وبقدر ما تكون هناك مشاركة فاعلة من قبل المواطنين ومنظمات المجتمع المدني، بقدر ما يكتسب الدستور شرعيته الشعبية. وهو ما تطالب به أطياف متعددة من التونسيين.
وفي هذا السابق، شكلت أكثر من 150 جمعية هيئة مستقلة، أطلق عليها “المجلس التأسيسي المدني”، التي ستتولى صياغة عدد من الاقتراحات لفصول جوهرية، وتقديمها إلى المجلس المنتخب، الذي قدمت له حتى الآن ما لا يقل عن أربعين مشروع دستور، من قبل أحزاب، وجمعيات، وشخصيات مستقلة، وخبراء في مجال الفقه الدستوري.
– صحيح أن لكل مجتمع خصوصياته وظروفه، لكن هناك قواسم مشتركة بين مختلف الدساتير الديمقراطية. والجامع بينها هو تنصيصها على المواثيق الدولية الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. أي دخول الخصوصيات في علاقة تفاعل إبداعي وتكيف مع هذه المرجعية الدولية التي تعكس حصيلة مختلف الحضارات والثقافات، التي على أساسها يقاس تقدم الشعوب ونهوضها، وانخراطها الفعلي في المرحلة الكونية التي تعيشها الإنسانية، موحدة، رغم اختلاف ألسنتها ومعتقداتها، وألوانها، وأجناسها.
هذا مظهر من مظاهر الحراك الفكري والسياسي والاجتماعي، الذي يعيشه التونسيون في مرحلة حرجة وثرية من تاريخهم المعاصر. وهم قد يلتقون في هذه المسألة مع مسارات مصر وليبيا واليمن، دون إغفال أن لكل بلد ظروفه وسياقه التاريخي، لكن المؤكد أن المصريين والليبيين واليمنيين يتابعون باهتمام شديد ما يجري في تونس، باعتبارها أول بلد انطلقت منه شرارة الثورات العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.