قال الضَمِير المُتَكَلّم: ديننا الإسلامي ليس دينًا كهنوتيًا؛ بل هو دين المعاملة الإنسانية الصادقة، دين القيم التي تُزْرَع في النفوس والقلوب؛ لِتُصَدّرَ للجوارح (الإنسانيةَ الكاملةَ) في بناء المرء لنفسه، في مخاطبته وممارساته للحياة في معاملته لغيره أيًا كان دينه وجنسه وسِنّه ومكانه أو مكانته؛ فذلك الغير أو الآخَر يستحق حُسن المعاملة وصِدقها، يستحق الخير لأنه فقط (إنسان)؛ تعالوا إلى بعض المحاولات والحكاية لصناعة الإنسانية؛ وإن كان لديكم منها الكثير، ومنكم أَتَعَلّم وأستفيد: ( 1 ) (أنت، أنا، نحن) تعالوا نصنع إنسانًا من طِفل صغير، بالرحمة واللين في تعاطينا معه منذ ولادته، بغرس قيم الفضيلة في نفسه البريئة، وبتلقينه قولًا وعملًا وسلوكًا صفةَ البذل لأسرته ولمجتمعه بلا حدود، تعالوا نقوده إلى الإيثار بالتشجيع، وقبل ذلك القدوة المثالية!! إليكم تجربة أحد الأصدقاء الذين يُجْمِع المحيطون والعارفون به نجاحه في تربية أبنائه على السلوك الإنساني؛ ذلك الصديق كان يفتح ملفًا عند ولادة طفله اسمه (الملف الشامل) يضمّ تفاصيل حياة الطفل بالكلمة والصورة، وفيه رَصدٌ لمراحل نموه، وتطور رغباته وميوله، واستجاباته الإنسانية داخل أسرته وفي خارجه المجتمعي (وذاك الملف يُرَاجَع سنويًا)!! ومع تقدم الطفل في السنّ وإدراكه يُعرّفُ بتغييرات التي طرأت على ميوله واهتماماته، وما وقع فيه من مواقف إيجابية أو سلبية تجاه مجتمعه!! ذلك الأب صنع تجربة في أبنائه إذ جمع في (غرفة ما) كل ما يشتهيه الأبناء من الحلويات والهدايا؛ ولكن ذلك بثمن محدد بقوائم واضحة معروفة ومنشورة لهم! فإذا تفوق (الطفل) في دراسته يجد التكريم ببطاقة شرائية من ذلك الدّكان العائلي، والأهم إذا أحسن أحدهم في موقف ما نحو أن يساعد أحد زملائه في المدرسة باقتسام المصروف معه؛ فإنه يكافأ على هذا الموقف النبيل ببطاقة شراء من ذلك الدّكان الأسري!! فما أحوجنا لتجارب حقيقية ميدانية تساهم في صناعة الإنسان في نفوس الأطفال، ويكفي مقابلة الطفل أي طفل بابتسامة وكلمات لطيفة، وهدايا رمزية بسيطة!! وأتذكر هنا عبارة تقول: لو ضَرًبْتَ طفلًا ضربة خفيفة وأنت «تُوَبّخِه» لَبَكَى.. وإنْ ضربته أقوى وأنت «تُمَازحه» لضَحِك؛ فالألم النفسي أشد فتكًا من الجسدي)!! ( 2 ) اصنع منك إنسانًا يصدق مع نفسه أولًا، ويدرك جيدًا أنه يؤسس ويرفع من قَدره وشخصيته في محيطه بعطائه الفِعْلِي لمجتمعه؛ لا بتصنعه وتكبره، (إنسانًا) يستثمر في غيره بتواضعه. مما قرأت حكاية أحدهم: حيث حاول إيهام مَن حوله أنه شخص مُهِم.. وعاش ذلك الدور؛ ويومًا طرقَ رَجُلٌ عليه باب مكتبه؛ وهنا سَارع إلى حَمْلِ سماعة الهاتف متظاهرًا بأنه يتحدث مع شخصٍ مهمٍ! فلما دخل عليه الرجل قال له ب «تَكبُّر»: اجلس.. ولكن انتظرني لحظة؛ فأنا أحاول معالجة بعض المشكلات.. وبدأ يتظاهر بأنه يتكلم بالهاتف لمدة دقائق. وبعد أَنْ أغلق السماعة.. تنفس الصعداء بهذا الإنجاز.. ثم خاطب الرجل: أهلًا أيّ خدمة؟! فقال الرجل: يا سيدي جئت فقط لإصلاح الهاتف في مكتبك فهو مُعَطّل منذ يومين! هَمْسَة: مِمَا قَرأت: (لا تَخْجَل أبدًا من أخطائك؛ فأنت بَشَر؛ ولكن عليك أن تخْجَل من نفسك إذا كَرّرتها وزعَمْت أنها مِن فِعْل القَدَر). ألقاكم بخير والضمائر متكلمة.