مضت عدة أسابيع منذ بدأت المظاهرات الغريبة في نيويورك.. وجه الغرابة في هذه المظاهرات أنها تستعصي على التوصيف السياسي فهي ليست يمينية مثل تجمعات حفلات الشاي التي انتشرت في أوساط الحزب الجمهوري اليميني، وهي ليست يسارية لأنها لا تعترض على النظام الرأسمالي وإنما تقول بأنها تعترض على تجاوزات هذا النظام وإخفاقاته، وهي غريبة أيضاًٍ لأن الحزب الجمهوري يريد أن يستغلها ضد الرئيس أوباما وحزبه ولكنه لا يلقى القبول من المتظاهرين الذين يعتبرون هذا الحزب حليفا طبيعياً للبنوك وشركات الأعمال التي يستهدفها المتظاهرون، وفي الوقت ذاته فإن الرئيس أوباما يريد أن يستقطب عواطف المتظاهرين باعتباره يمثل تيار التغيير في المجتمع الأمريكي ولكنه في الوقت ذاته هو الذي يتمتع بالسلطة مما يحد من حريته في تشجيع التظاهر والتساهل مع المحتجين، وهي أيضاً غريبة لأنها امتدت لتنتشر في قرابة خمسين مدينة أمريكية في حين أنها في نيويورك مازالت محصورة في حديقة عامة صغيرة أطلق عليها البعض اسم ميدان التحرير وقد ظلت قاصرة عن احتلال شارع وول الذي يعتبر رمزاً لقطاع الأعمال وهدفاً لصيحات المتظاهرين وشعاراتهم، وهو بالمناسبة شارع صغير يكاد لا يلاحظ في حي الأعمال الذي تقع فيه بورصة داو جونز في جنوبنيويورك. حركة المظاهرات الأمريكية هي تعبير عن تيار فكري جديد لا يجد في الأحزاب التقليدية متنفساً لرغباته وتطلعاته ولا يجد في النظام السياسي الديمقراطي وسيلة منصفة للتعبير عن طموحات أبنائه ويتهم هذا النظام بأنه قد أصبح رهينة لأصحاب رؤوس الأموال وللبنوك التتمة ص ( 19 ) ويستدلون على ذلك بأن حكومة الرئيس الجمهوري بوش قد صممت صفقة إنقاذ للبنوك بقيمة سبعمائة بليون دولار نفذتها وزادت عليها حكومة الرئيس الديمقراطي أوباما ولم تتمكن إحدى الحكومتين من تحديد مسئولية جنائية أو مالية على قيادات البنوك التي تسببت في الأزمة المالية وأدت إلى تسريح مئات الآلاف من أعمالهم وارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من تسعة في المائة وهي نسبة مرتفعة لم تشهدها الولاياتالمتحدة منذ عشرات السنين. أتوقع أن يكثف الرئيس أوباما محاولاته لتجديد شباب تياره عن طريق استيعاب حركات الاحتجاج وتبني شعاراتها، وهو إن لم يفعل فسوف يكون موقفه صعباً إذا حاربه اليمين الجمهوري من جهة وحاربه الشارع الأمريكي من جهة أخرى. *** في الأسبوع الماضي تحدثت عن تفاحة الجاذبية الأرضية ونسبتها خطأ إلى اينشتاين، ثم تلقيت الكثير من رسائل التصحيح التي نبهتني إلى أن مكتشف الجاذبية الأرضية هو إسحق نيوتين وليس اينشتاين ولقد سعدت بهذه الرسائل لأنها كانت دليلاً على حيوية القراء ودقتهم وحرصهم على الصواب، ولو كنت أريد وسيلة لاختبار فطنة القراء لما وجدت أفضل من هذه الطريقة.. إنني أعتذر لاينشتاين العالم الذي وضع نظرية النشوء والارتقاء.. عفواً أقصد نظرية النسبية، وأعتذر أيضا لنيوتين، والأهم من هذا وذاك هو أنني أعتذر للقراء الكرام على هذا الخطأ غير المقصود.. وسامحونا!!