ساهمت معطيات العصر التقنية بكل شواهدها وأنماطها في إذكاء التجربة وتأكيدها لدى الفنان التشكيلي السعودي، والتي تتبدى بشكل أكثر وضوحًا وجرأة لدى الفنان (المفاهيمي)، هذا الذي يتميز بالقدرة الهائلة على اصطياد (الفكرة)، والتقاط (اللحظة)، وترجمتها إلى (منجز فني) زاخر وفق عوامل مساعدة من أهمها الميكنة والآلة وتقنيات التصوير الضوئي ووسائل الاتصال والصوت والضوء وخلافه، ومن خلال ثقافات وبيئات متعددة مما أوجد هذا (الحس) العصري لدى الفنان المفاهيمي وقدرته أيضًا على التعامل بوعي بما مكنّة من تطويع كل هذه المعطيات وتوظيفها بما يجسّد (الرؤى والأفكار) لدى الفنان وإعادة صياغتها وفق منظور عصري يتعايش ويتواءم مع العصر وتقنياته المختلفة. ولقد جاء المعرض الرابع (آيدج أوف آربيا) المسمى (محطة تيرمينال) الذي أقيم في صالة المركز المالي في دبي بمشاركة عدد من الفنانين (المفاهيمين) السعوديين يأتي ليؤكد هذا التوجه لدى الفنان السعودي المعاصر كما في مشاركة الفنان الديناميكي (الجسور) عبدالناصر غارم وزميلة الفنان (الطبيب) الأنيق أحمد ماطر. هذان الاسمان اللذان برزا في هذا المجال بما مكنهما من طرح التجربة السعودية عالميًا إضافة إلى مشاركة الفنانة المخضرمة (المتجددة) منال الضويان فنانة التصوير الفوتوغرافي البارعة ومها ملوح بكل تفاصيل تجاربها الموغلة في الاستفادة من التقنية الحديثة في مجال الصورة الضوئية مع كل ما طرحته هلا علي وسامي التركي وحمزة الصراف من شواهد وأعمال تترجم مدى توغل هذه المجموعة في هذا المسار الفني المعاصر وقدرتهم على إيصال المنجز التشكيلي السعودي إلى آفاق عالمية أرحب.. مجمل القول إن هذا المعرض جاء ليؤكد حضور (التجربة السعودية) في الفن المفاهيمي المعاصر هذه التجربة التي جاءت مدفوعة بالحماس والجرأة غير المعهودة بما مكّن هذه المجموعة من تقديم تجارب تتوخى النضج الفني والتقني بكل دلالاتها ورؤاها المختلفة وبما مكنهم أيضًا من تقديم أنفسهم كسفراء للفن التشكيلي السعودي المعاصر وفق صياغات وتجارب تتواءم مع العصر وتتواكب مع كل معطيات المرحلة وأرتامها اللآهثة!! ما يسترعي الانتباه هنا هو تحلي الغالبية منهم بالجرأة والجسارة والحماس في الطرح بما مكنهم من إيجاد توليفة متجانسة ما بين فن التراكيب والخطوط وتقنيات التصوير الفوتوغرافي والفن ذي الثلاثة أبعاد والصوت والضوء وغيرها، كل هذه المسارات جاءت أيضًا لتؤكد بالفعل النقلة النوعية المتقدمة لفناني المملكة والعمق التراكمي الثقافي والبيئي والتقني وأثر كل ذلك في إيجاد هذه التوليفة المكملة لبعضها البعض. وبالتالي القدرة على التماشي والتعايش مع موجة العصر وتطويع الآلة والتقنية الحديثة بما يخدم الفكرة ويجسدها للمتلقي أيًّا كان.