كم هي مصر في حاجة إلى من يضمد جراحها ويكفف دموعها ويواسيها في محنتها الأليمة بعد أن حاولت قوى البغي وتجار الفتن وحائكو المؤامرات العبث بوحدتها الوطنية وزعزعة أمنها واستقرارها بعد أن كادت الأمور أن تستقر على ضفاف نيلها الخالد، وبعد أن لاحت في الأفق بوادر مصر الجديدة التي ينعم مواطنوها بكل أطيافهم الدينية والسياسية بالحرية والعدل والمساواة، من خلال دولة القانون التي لا مجال فيها للفساد والمفسدين، ولا مكان فيها للبلطجية والمتآمرين. مصر اليوم ليست في حاجة إلى المظاهرات والشعارات واللافتات، بقدر ما هي في حاجة إلى التفاف الشعب المصري كله، قلبًا وقالبًا حول هدف واحد وغاية واحدة، فوقوف جميع أبناء هذا الشعب العريق تحت مظلة الوحدة الوطنية التي ظلت السمة البارزة لمصر منذ عرابي وسعد زغلول ومصطفى كامل، يعني أن مصر تحرسها العناية الإلهية، وأنها في أمن وأمان طالما تحصنت وراء درع الوحدة الوطنية، وطالما تسلحت بسلاح الإيمان والأمل. ليس من الصعب إدراك أن الأحداث الدامية التي شهدتها مصر مساء الأحد لم تأت اعتباطا...بل جاءت نتاج عمل شرير تم تدبيره بالخفاء من قبل قوى خبيثة مندسة لا ترجو خيرًا لمصر ولا صلاحًا لشعبها من خلال ضرب علاقات الأخوّة وأجواء الود القائمة بين المسلمين والأقباط في أرض الكنانة منذ أقدم العصور وإشعال نار فتنة طائفية تأكل الأخضر واليابس وتنسف جسور التحالف والتواصل بين المسلمين والأقباط التي سبق وأن عبرت عن نفسها أصدق تعبير في صور التلاحم التي جسدتها ثورة 25 يناير ضمن لوحة رائعة رسمتها تلك الوحدة خلال أحداث الثورة. إن ما جرى من فتنة دامية بين مسلمى مصر وأقباطها أمس الأول ليس مؤامرة فقط، وليس فتنة فقط، وإنما هي فتنة ومؤامرة معًا، وهو ما يضفي على هذا الخطب صفة الكارثة، بما انطوت عليها من مخاطر وخسائر ومخاوف ولما يمكن أن تؤدي إليه - لا سمح الله - من تداعيات، وهو ما يتطلب من الشعب المصري بأكمله التصدي لهذا الحدث بحزم، ووأد الفتنة في مهدها وقطع الطريق على المتآمرين، لاسيما بعد أن اتضح أن أحد أهم أهدافهم الخبيثة الإيقاع بين الجيش والشعب.