ما يحدث في مصر الآن يدعو إلى القلق والتخوف بدرجة أكبر مما كان يحدث عند بداية الثورة المصرية التي اندلعت في يناير 2011، فقد وقفت الغالبية العظمى من الشعب المصري يدًا واحدة ضد الرئيس مبارك مطالبة برحيله، لكن تلك الجموع المليونية كانت ترفع شعارُا واحدًا: "سلمية ..سلمية". وصحيح أنه سقط أكثر من ألف شخص خلال الثورة، لكن الغالبية العظمى من أولئك الضحايا سقطوا برصاص قوات مبارك وما أصبح يعرف في أدبيات ثورة يناير ب(البلطجية). أمس وأول أمس شهدت ميادين مصر شكلاً جديدًا من الاحتجاجات والمصادمات الدموية، لكن هذه المرة -مع شديد الأسف- بين مؤيدين للرئيس مرسي ومعارضين له، أوعلى الأصح من المعارضين للإعلان الدستوري الذي أحدث انقسامًا واسعًا في صفوف المصريين. وربما أن البعض فوجئ بتلك الخطوة لأنها تلامس بشكل مباشر أيقونة الحريات التي ثار الشعب المصري من أجل الحصول عليها. المشهد الدموي أمس وأول أمس الذي تضمن اشتباكات بين مناصرين للرئيس مرسي ومناوئين له يحتاج من كافة أبناء الشعب المصري العودة إلى رفع شعار "سلمية.. سلمية"، والنأي عن ركوب موجة العنف والتهور والقيام بسلوكيات غير محسوبة وغير مسؤولة، لما يمكن أن يؤدي إليه ذلك -لا سمح الله- إلى التصعيد، وإلى اشتعال نار الفتنة في وقت تبدو فيه مصر في أمس الحاجة إلى الوحدة الوطنية وإقرار الأمن والاستقرار في ربوعها حتى يتعافى اقتصادها الذي تأثر سلبًا بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الماضية. ما يجري في "المحروسة" من أحداث مؤسفة في الوقت الراهن لا يقتصر فقط على المخاوف من إمكانية اشتعال فتنة متعددة الأوجه، وإنما من شأنه أيضًا أن يخرج عملية الانتقال الديمقراطي عن مسارها الصحيح بشكل خطير. الشعب المصري بكل فئاته ومكوناته مطالب اليوم بالابتعاد عن كافة مظاهر العنف منعًا للتصعيد، ولأن العنف يزيد الأزمة تعقيدًا ويفتح المجال أمام الفتن والمؤامرات والشائعات إلى جانب أنه سيتيح لأعداء مصر اختراق حشود الجانبين المتنازعين لصب المزيد من الزيت على نار الفتنة. مصر في حاجة اليوم إلى التحلي بحكمتها واللجوء إلى لغة الحوار والحلول الوسط لوأد الفتنة قبل استفحالها.