حين يفكر الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي من مخبأه في مكان ما بليبيا في مستقبله سيتذكر على الأرجح مصير حاكم شمولي آخر جرت الإطاحة به هو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي عثر عليه في حفرة تحت الأرض. ويقول بعض مَن يعرفونه جيدًا إن وجود هذه السابقة في ذهن القذافي سيجعله يصمم على أمرين أولهما أنه لن يتخلّى عن القتال ضد حكام ليبيا الجدد، وثانيهما أنه اذا جاءت النهاية فإنه لن يسمح لنفسه بأن يعتقل حيًّا. ويقول فتحي بن شتوان الذي كان وزيرًا للطاقة والصناعة تحت حكم الزعيم المخلوع حتى خمس سنوات مضت إن القذافي لن يتوقف عن القتال، وأنه لن يتوقف «إلاّ إذا أوقف». ومن شبه المؤكد أن المجلس الوطني الانتقالي بمساعدة أجهزة المخابرات الغربية بدأ حملة للبحث عن القذافي تركز على الصحراء قرب الحدود مع النيجر والجزائر. وتتوقف نتيجة البحث عن القذافي أيضًا ولو جزئيًّا على الحالة الذهنية للضحية، وما يختار أن يفعله في ظل تضاؤل الخيارات المتاحة أمامه. في الوقت الحالي تشير جميع المؤشرات إلى أن على الرغم من أن الظروف ليست في صالحه فإنه لايزال يعتقد أن بوسعه استعادة الحكم. وفي آخر مرة سمع فيها العالم الخارجي صوته في كلمة بثتها قناة تلفزيونية مقرها سوريا في 20 سبتمبر، قال إن نظام حكمه قائم على إرادة الشعب، وإن «هذا النظام من المستحيل الإطاحة به». وليست هذه الثقة مفاجأة من رجل حكم ليبيا لمدة 42 عامًا، وسحق عدة محاولات للانقلاب وانتفاضات، لكن أيًّا منها لم يكن على نطاق هذه الانتفاضة. وقال البغدادي علي المحمودي الذي كان رئيسًا لوزراء القذافي حتى بضعة أسابيع مضت، ويقيم الآن في تونس: إن الزعيم المخلوع لن يستسلم، ولن يلقي سلاحه حتى النهاية. وتشاركه في وجهة النظر هذه سعاد سالم الكاتبة الليبية التي قالت إن القذافي سيظل مصدّقًا لوهم أنه لايزال في الحكم، ويستطيع هزيمة قوات المجلس الوطني، مشيرة إلى أنه لن يعترف قط بأنه فقد السلطة، وترجع السبب في هذا الى أنه «مجنون» على حد قولها. وعلى الرغم من غرابة أطوار القذافي فإنه براجماتي، وربما يعتقد أنه وجد طريقة للعودة إلى الحكم هي شن حملة مسلحة تقوّض الحكومة الجديدة بضربها في أضعف نقطة بها. وتعتمد ليبيا في دخلها على صادرات خام النفط، ويحتاج هذا بدوره إلى أن يعمل في الحقول مسؤولون تنفيذيون ومهندسون أجانب بقطاع النفط. ومن شأن بضع عمليات خطف أو تفجيرات مختارة بعناية أن تبعد الأجانب وتضر بإنتاج النفط. إنها إستراتيجية لا تتطلب السيطرة على أراضٍ أو مواردَ عسكرية كبيرة لا شيء سوى المال الذي يعتقد أن القذافي يملك الكثير منه، وقدرًا من الأسلحة وبعض التنظيم. ويقول الان فريزر المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بشركة (إيه.كيه.إي) لاستشارات الأمن والمخاطر «هذا أمر ضروري للمجلس الوطني. إنهم بحاجة الى متخصصين أجانب، إحدى الوسائل حتى يمنع الموالون للقذافي حدوث هذا هو شن بضع هجمات. الأمر يتعلق بالدعاية التي سيحققها لهم هذا بما يحول دون عودة الشركات الأجنبية.» وأضاف «أنا واثق أن عناصر موالية للقذافي ستراوغ حتى لا يتم القاء القبض عليها، وتحاول تعطيل التنمية خاصة في قطاع النفط». ومن الأسئلة المهمة ما إذا كان القذافي المولود عام 1942 يتمتع بالقوة النفسية والبدنية اللازمة ليظل هاربًا لفترة طويلة. واذا حوصر فقد يختار في النهاية الاستسلام في هدوء. ولدى سؤاله عن حالته الذهنية قال عقيد سابق في جهاز الأمن الخارجي وهو جهاز المخابرات الخارجية في عهد القذافي أجاب قائلا «سيخاف». وأضاف العقيد الذي طلب عدم نشر اسمه «في الحقيقة كان دائمًا يعتريه قدر من الخوف. إنه لا يثق في أهله. انظر إلى الأنفاق التي أقامها تحت بلادنا ومدينتنا (طرابلس). قام بهذا حتى يستطيع الهرب والاختباء». غير أن القذافي على أرض مألوفة بالنسبة له. لقد قضى سنوات عديدة من عمره يعيش حياة بدوية في خيام بالصحراء، حتى حين كان في الحكم تمسك بنمط حياة مختلف، فكان يفضل نصب خيمة حين يزور العواصم الأجنبية على الإقامة في فندق أو في السفارة الليبية. وقال بن شتوان وزير الطاقة السابق إن القذافي معتاد على الحياة في ظروف صعبة، فقد تعود منذ طفولته على الحياة في مناطق حارة، ومناطق باردة، وعلى الجوع، وأنه قادر على أن يظل مختبئًا إلاّ إذا اكتشف أمره. ولكن ماذا سيفعل القذافي إذا استمر ملاحقوه في تضييق الخناق عليه في غياب أي احتمال لمواصلة القتال؟. الفرار إلى دولة مجاورة ليس خيارًا جذّابًا بالنسبة له. وفر الساعدي أحد أبنائه عبر الحدود إلى النيجر، حيث قالت السلطات إنها تضعه تحت المراقبة. وربما لأن الساعدي توقع ما سيحدث له، وكّل نيك كوفمان محاميًَا عنه. وكوفمان متخصص في قضايا المحكمة الجنائية الدولية، ومن بين موكليه السابقين قائد سجن من جماعة الخمير الحمر الكمبودية، وزعيم رواندي لجماعة اتهمت بالقتل والاغتصاب الجماعي.