طرابلس، بنغازي، نيامي، لندن، بروكسيل، واشنطن - «الحياة»، أ ف ب، رويترز - وصل الرجل الثاني في المجلس الوطني الانتقالي الليبي محمود جبريل إلى طرابلس أمس، في أول زيارة له منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي الشهر الماضي. وجاءت زيارته في وقت بقي الترقب سيد الموقف في بني وليد (170 كلم جنوب شرقي طرابلس)، أحد آخر معاقل القذافي، في ظل محادثات متقطعة بين الثوار ووجهاء المدينة لدخولها في شكل سلمي. وقال رئيس المفاوضين من جانب الثوار عبدالله كنشيل إن «المفاوضات كانت ناجحة بالأمس ونحن بانتظار الضوء الأخضر للدخول». ويؤكد مسؤولو المجلس الانتقالي أنهم ملتزمون بتجنب إراقة الدماء في بني وليد، حتى بعدما جرى إطلاق النار على وفد من المدينة كان يفاوض الثوار. وقال كنشيل إن «الكبار انضموا الى الثورة»، مضيفاً أن بعضهم كانوا في طرابلس وآخرون عادوا الى بني وليد بعدما منعوا في الأساس من الدخول إليها. وتضاربت المعلومات حول مدى نجاح المفاوضات، إذ إن بعض المقربين من المجلس الوطني الانتقالي الليبي شددوا على أن المحادثات تقترب من مرحلة الاختراق، فيما أصر آخرون على أن وقت التفاوض انتهى. وعلى بعد حوالى 40 كلم من الجبهة في بني وليد، قال المسؤول العسكري عبدالله أبو أسرة إن قواته مستعدة لأي طارئ. وقال ل «فرنس برس»: «نحن جاهزون للهجوم، ننتظر أوامر المجلس الانتقالي». وعلى صعيد الوضع على جبهة شرت، ذكر مراسل وكالة «فرانس برس» أن مقاتلي الحكم الليبي الجديد كانوا يحاولون أمس الأربعاء التقدم في اتجاه الوادي الأحمر، أبرز خط دفاعي للموالين للقذافي على بعد 60 كلم شرق سرت مسقط رأس العقيد الفار. وأضاف المراسل أن معارك عنيفة تدور حول الطريق الذي يربط أم خنفيس بالوادي الأحمر وتستخدم فيها المدفعية على بعد حوالى سبعة كيلومترات من هذا الوادي الذي لا يزال يسيطر عليه الجنود الموالون للقذافي. وسقط عدد كبير من القذائف على خطوط مقاتلي السلطات الانتقالية والموالين للقذافي المتمركزين على بعد حوالى ثلاثة كيلومترات ويبدون مقاومة شرسة. وكانت عشرات الآليات التي يستخدمها مقاتلو المجلس الوطني الانتقالي تمركزت على مقربة من محطة كهربائية متوقفة عن العمل بعدما أطلق مؤيدو القذافي قذائف في اتجاه الثوار. ولاحظ المراسل أن النيران اندلعت في إحدى الآليات. ولم يتمكن أي من مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي من تقديم حصيلة عن هذا الحادث. ووسط هذا المشهد في الصحراء، كان يمكن مشاهدة سحب الدخان على خط الجبهة الموالية للمجلس الوطني الانتقالي وكذلك قرب مواقع الموالين للقذافي. وقد حدد المجلس الوطني الانتقالي، الهيئة السياسية التي تتولى الحكم في طرابلس، السبت موعداً لاستسلام سرت سلمياً عبر التفاوض. وتمركز آلاف المقاتلين الموالين للمجلس على طول خط الجبهة حول قرية أم خنفيس في انتظار هذا الهجوم. والمناوشات يومية على خط الجبهة هذا حيث تفصل منطقة عازلة تناهز سبعة إلى ثمانية كيلومترات المتحاربين حتى الآن. في غضون ذلك، أعلن فتحي باجا المسؤول عن الشؤون السياسية في المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي أن وفداً من المجلس يُفترض أن يكون قد توجّه الأربعاء إلى النيجر ليطلب من هذا البلد تشديد التدابير الأمنية على حدوده ومنع أي محاولة لمعمر القذافي أو عائلته لدخول أراضيه. وقال فتحي باجا في مؤتمر صحافي: «لدينا وفد يتوجه الأربعاء إلى النيجر ليناقش مع رئيس النيجر ووزير الخارجية ... تشديد التدابير الأمنية على حدودنا لمنع أي تسلل لجنود القذافي الى النيجر، ووقف أي محاولة من القذافي أو من عائلته للفرار الى النيجر». وأضاف أن محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي في المجلس الوطني الانتقالي قد اتخذ قرار إرسال وفد إلى النيجر، وأن «الوفد سينطلق في الساعات المقبلة من تونس الى النيجر». وأوضح أنه إذا ما تبين أن مقربين من القذافي قد غادروا ليبيا ناقلين معهم ذهباً ومالاً «نريد أن يعيدوا لنا هذه الأموال». وقال باجا إن من الضروري تسليم ليبيا المسؤولين المقربين من القذافي الذين ذهبوا الى النيجر. وأعلن وزير الداخلية النيجري عبدو لابو الثلثاء أن النيجر قد استقبلت عشر شخصيات قريبة من الزعيم الليبي السابق «لأسباب إنسانية». ورداً على سؤال عن وجود القذافي في النيجر، أجاب: «إنها إشاعات. رسمياً وبحسب المعلومات التي في حوزتنا، فإن العقيد القذافي غير موجود على الأراضي النيجرية». وأكد موسى إبراهيم الناطق باسم القذافي أنه لم يغادر البلاد. وقال ل «رويترز» عبر الهاتف من مكان غير معلوم إن القذافي في ليبيا في مكان آمن ويتمتع بصحة جيدة للغاية ومعنوياته مرتفعة. وفي الإطار ذاته، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مشعان الجبوري مالك قناة «الرأي» التي تبث من دمشق، إن معمر القذافي ونجله سيف الإسلام لا يزالان في ليبيا وبحالة معنوية جيدة. وقال الجبوري النائب العراقي السابق، وهو صاحب المؤسسة الإعلامية الوحيدة التي لا تزال على تواصل مع القذافي لوكالة «فرانس برس» عبر الهاتف من سورية «أستطيع أن أقول إنني تحدثت مع القذافي (قبل وقت) قريب جداً، وهو لا يزال في ليبيا بمعنويات عالية جداً ويشعر بالقوة وليس خائفاً، وسيكون سعيداً إذا ما مات أثناء قتاله ضد المحتلين». وأضاف أن «نجله سيف الإسلام، بنفس الروح المعنوية». وحول طريقة التواصل مع القذافي يقول الجبوري (54 سنة) الذي أسس القناة في عام 2006: «عندما احتاج للتحدث معه أبعث له برسالة، أو يتصل بي عندما يريد هو إيصال رسالة». وقال مسؤول عسكري كبير في القيادة الجديدة لليبيا ل «رويترز» إن آخر مرة رصد فيها معمر القذافي كان متجهاً إلى الحدود الليبية الجنوبية وذكرت مصادر عسكرية في فرنسا والنيجر أن عشرات المركبات التي تقل قوات موالية للقذافي عبرت الحدود إلى النيجر. وقال هشام أبو حجر الذي ينسق جهود البحث عن القذافي إن الأنباء تشير إلى أنه ربما كان في منطقة قرية غات بجنوب ليبيا على بعد نحو 300 كيلومتر الى الشمال من الحدود مع النيجر قبل ثلاثة أيام. وقال أبو حجر في مقابلة الليلة قبل الماضية: «إنه خارج بني وليد في ما اعتقد. آخر مرة رصد فيها كان في منطقة غات. رأى الناس السيارات تسير في ذلك الاتجاه.. وعلمنا من مصادر كثيرة إنه يحاول المضي جنوباً باتجاه تشاد أو النيجر». وقالت مصادر عسكرية من فرنسا والنيجر إن جيش النيجر رافق قافلة تضم نحو 250 مركبة الى مدينة أغاديز الشمالية. وصرح مصدر عسكري فرنسي بأن القذافي ربما ينضم الى القافلة في الطريق الى بوركينا فاسو المجاورة التي عرضت اللجوء على الزعيم الليبي المخلوع قبل أن تقول أول من أمس إن القذافي لم يطلب اللجوء إليها. وعبّرت الولاياتالمتحدة عن اعتقادها بأن القافلة تقل مسؤولين كباراً من نظام القذافي وحثت النيجر على اعتقال أي شخص قد يكون عرضة للملاحقة القضائية في شأن مزاعم بارتكاب جرائم خلال الثورة الليبية. والثلثاء قال وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا إن القذافي «هارب». لكن عند سؤاله في وقت لاحق في برنامج تلفزيوني عما إذا كان القذافي لا يزال في ليبيا رد قائلاً: «لا أعلم. أعتقد أنه اتخذ كثيراً من الخطوات كي يضمن أن يتمكن في النهاية من الخروج إذا ما اضطر لذلك.. لكن في ما يتعلق بأين أو متى أو كيف يحدث ذلك .. فإننا لا ندري». وفي بروكسيل (رويترز)، قال ضابط كبير سابق في الجيش الأميركي شارك في قيادة جهود القبض على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، إنه يعتقد أنه سيتم القبض على معمر القذافي ما دام من يتعقبونه يستخدمون المخابرات المحلية ويركزون على حراسه المقربين. وكان اللفتنانت كولونيل المتقاعد ستيف راسل يتحدث قبل ظهور أنباء عن أن قافلة مركبات عسكرية ليبية عبرت الحدود الى النيجر تقل مسؤولين كباراً من نظام القذافي. وقال راسل إن للقذافي صفات شبيهة بصدام وغيرهما من الحكام المستبدين تجعل من المرجح أن يعتمد على شبكة صغيرة من الموالين شديدي الإخلاص. وخلال عملية ملاحقة صدام اعتمد راسل على مزيج من معلومات المخابرات المحلية وعمليات مراقبة قامت بها قوات خاصة وحرب نفسية. وألقي القبض على صدام بعد ثمانية أشهر من سقوط بغداد مختبئاً في قبو قرب بلدة تكريت مسقط رأسه.