** سوف تكون مقارنة ظالمة لجيل من ذوي النزعة اليسارية، الذين برزوا في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات الميلادية، ولجيل آخر يمثله توني بلير، الذي هو محور حديثنا في هذه الزاوية، وبمجرد إطلالة بسيطة على تلك الرموز التي رحلت من أمثال «مايكل فووت»، والذي ظل يرفض المناصب الوزارية، وخصوصًا في حقبة «ديلسون» 1964- 1970م، وكان يلبس البسيط من الملابس، والتي تعكس انتماءه الحقيقي للطبقة العمالية، ولكنه كان قادرًا ببلاغته أن يجذب أسماع كبار الشخصيات المحافظة، من أمثال تشرشل، وهارولا مكميلان، ومارجريت تاتشر، والتي تصفه بالسياسي المثقف في مذكراتها، كما كان قرينه المنظِّر السياسي إيريك هيفر Eric- Heffer، يفتخر بأن أباه كان بحّارًا، ولم تفت الفرصة على تاتشر لتقول له ولسواه بأنها ابنة البقال، إنهم في الغرب لا يجدون غضاضة في ذكر حرفة آبائهم، بينما نتنصل كشرقيين من ذلك. ** توني بلير الذي صعد إلى زعامة حزب العمال عام 1994م، بعد رحيل زعيمه التاريخي جون سميث، ثم دخل دواننغ ستريت عام 1997م دون أن تكون لديه أي خبرة لإدارة شؤون الدولة، ولقد ساعده على الاستمرار في منصبه سعيه للقضاء على حزب العمال التقليدي، وضعف حزب المحافظين بعد استقالة «مارجريت تاتشر» في عام 1990م. ** بعد فوز بلير بانتخابات عام 1997م، عيّن أحد أهم رموز الحزب -وممن آزروه في انتخابه- زعيمًا للحزب، وهو النائب روبن كوك Cook، عيّنه وزيرًا للخارجية، ثم تخلّص منه في عام 2001م؛ لأن كوك زار المناطق المحتلة في فلسطين، وانتقد بناء مستوطنة أبوغنيم انتقادًا أزعج الإسرائيليين، وحلفاءهم الأمريكيين، وكان كوك فيما بعد -وكوزير للشؤون البرلمانية- ضد الغزو الأمريكي للعراق، واستقال من منصبه احتجاجًا، مخاطبًا المجلس بأن الحديث عن عدم تنفيذ القرارات الدولية يجب أن يرافقه الحديث عن عدم تنفيذ إسرائيل للقرار (242) على مدى أربعين عامًا من احتلال أراضي الفلسطينيين، وكان بلير أثناء الحرب على العراق تطلق عليه بعض الصحف البريطانية المستقلة بأنه يعمل كوزير للخارجية، أو سفير لدى جورج بوش الابن، وحملت الصحف -نفسها- الآن حملة شرسة عليه؛ لارتباطه بالناشر «ميردوخ»، وعلاقته كذلك بالعقيد القذافي، وعمله كمستشار له، ودعت هذه الصحف لاستقالته من عمله كمبعوث للجنة الرباعية؛ لأن سلوكياته لا تؤهله للعمل كوسيط دولي.