إن من أعظم نعم الله على العبد أن يُجري الله الخير على يديه، فما أعظم أجر مَن نَذر نَفسه لتلمُّس أحوال المحتاجين، وكفكفة دموع اليتامى وتقديم العون لهم، وقد روى الإمام مالك في الموطأ: (الساعي على الأرملة واليتيم كالمجاهد في سبيل الله)، وفي رواية أخرى (كالذي يصوم النهار ويقوم الليل) قال ابن بطَّال: (فينبغي لكل مؤمن أن يحرص على هذه التجارة التي لا تبور، ويسعى على أرملة أو مسكين لوجه الله تعالى، فيربح في تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين من غير تعب ولا نصب، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) وقد كان مِن سيدنا طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه رأى سيدنا عمر رضي الله عنه قد خرج ذات يوم في سواد الليل، فدخل بيتا، فلما أصبح طلحةُ، ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياءَ مقعدةٍ، فقال لها: ما بالُ هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذُ كذا وكذا ، يأتيني بما يُصلحني ويُخرج عني الأذى فقال طلحةُ: ثكلتكَ أمُّكَ يا طلحة، أعثرات عمر تَتْبَع!!! فما أعظم أجر مَن أقامه الله على رعاية أبناء الأسر الفقيرة، وأعظمُ مِنْه مَن أقامه الله على دفعهم إلى المجتمع ليكونوا متعلِّمين وعاملين، فيسُدُّوا عَوَزَهم مِن كدِّ يمينهم، ليكونوا عونا للمجتمع لا عالة عليه . وقد أكرمني الله تعالى بدعوة كريمة من الأخ الحبيب الفاضل الأستاذ إياد شكري، لزيارة مستودع المدينةالمنورة الخيري، حيث اطلعتُ على أعمالٍ جليلة، وجهودٍ مباركة وموفَّقة، فكانت هذه الزيارة مِنَّةً مِن أعظم مِنن الله عليَّ، رأيت عملاً غايةً في الإتقان وحسن الصنعة، فضلاً عن أنه يندرج تحته العديد من المشروعات، فهذا المجمع الخيري يسعى سعيا حثيثاً للبحث عن أصحاب الاحتياجات، ثم يتلمَّس مواطن الحاجة لديهم، ليسدَّ حاجتهم، فيصل إليهم بطريق يحفظ لهم حياءهم وكرامتهم، ثم يتولَّى تأهيلهم وتأهيل أولادهم للعمل والكسب، ثم يسعى لتوفير فرص العمل لهم . فرسالة هذا المشروع تحصيلُ الرعاية المتميِّزة وتوفير العمل للاستغناء عن الغير، بما يحفظ للإنسان كرامته، بأهداف وغايات نبيلة . وقد قال سيدنا عمر رضي الله عنه عن الفقراء: (لَحِرْفةُ أَحدِهم أَشَدُّ عليَّ من عَيْلَتِه) فعَدَمُ الصنْعة والحِرْفَةِ أَشَدُّ على الفقير مِن فَقْرِهِ . فهنيئاً لكم يا أهل المدينة بهذا المشروع الذي سيَفتح لكم آفاقاً واسعة للتطوير في مجالات العمل الخيري . •عضو هيئة كبار العلماء