مما جاء في الأثر أن الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج في سواد الليل فرآه طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- فذهب عمر فدخل بيتا، ثم دخل بيتا آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت، فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى! فقال طلحة: ثكلتك أمك! عثرات عمر تَتَبَّع؟ ذلك النموذج الإنساني ينبغي أن يتواصل في مجتمعاتنا الإسلامية، لأن مجتمع المدينة قدّم أرقى نماذج المجتمعات البشرية عبر العصور، بما فيه من تكافل وتراحم وتآزر وتواصل وإعانة الغني للفقير والقوي للضعيف دون منّ أو حديث بالفضل، فتحققت أجمل صور التعايش والرحمة بين العباد، وقد كان المجتمع مهيأ لذلك بحيث لا يترك ثغرة إنسانية يبيت فيها أحدهم جائعا فيما الآخرون يبيتون وبطونهم ممتلئة. ذلك النموذج الإنساني ينبغي أن يتواصل في مجتمعاتنا الإسلامية، لأن مجتمع المدينة قدّم أرقى نماذج المجتمعات البشرية عبر العصور، بما فيه من تكافل وتراحم وتآزر وتواصل وإعانة الغني للفقير والقوي للضعيف دون منّ أو حديث بالفضل، فتحققت أجمل صور التعايش والرحمة بين العبادكان الإيثار أحد أهم وأبرز صور التراحم والتكافل في مجتمع المدينة، وذلك من الأخلاق الفاضلة التي عززها ديننا في المجتمع الإسلامي باعتبارها خير المجتمعات وأكثرها تطهرا من وساوس الشيطان والاستفراد بما يفضل الله به عباده على بعضهم. نصرة الضعفاء توجب النصر من الله، وذلك من خلق الكرامة والشهامة التي يجب أن يعززها كل فرد فينا تجاه الآخر، وقد قال رسولنا الكريم «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» وبحسب المقصد النبوي فإن نصرته ظالما برده عن ظلمه، وذلك يستدعي شجاعة وإحساسا بقيمة الأخلاق في تسيير شؤوننا لأن الظالم غالبا ما يستقوي بما لديه من مال أو جاه، وقد يكابر ويعاند بحيث لا يقبل نصحا أو رأيا أو مشورة، وتتطلب مدافعته في ظلمه شجاعة وصبرا وجلدان فالظلم من المحرمات وما شاع في قوم إلا أهلكلهم الله. مطلوب منا أن نقف مع أنفسنا كل فترة وأخرى نستدبر ما نفعله، ونتدبر فيما نقدم عليه من افعال فإن استقامت مع الخلق ومقتضيات الشرع واصلنا ما نقوم به وإلا فلنكف ونتوقف، وميزان ذلك كله في قول رسولنا الكريم «الإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس» فإن كنا نكره أن يعرف الناس بعض ما نفعله فإذن هو خاطئ ومكروه ويوجب التوقف عنه. وفي سياق ذلك وخلال قراءتنا للقرآن الكريم ينبغي ألا نقرأه كما نقرأ أي كتاب ثقافي، وإنما بتدبر، وقد قال الفيلسوف محمد إقبال إن والده نصحه بأن يقرأ القرآن كما لو أنزل عليه، وذلك يعني الارتفاع بسقف المسؤولية عن المعاني والمقاصد الى الحد الأعلى وعدم مغادرة الآية إلا بوعيها تماما والشعور بها في خلجات النفس حتى تبقى في العقل والقلب، قليل من وقفات النفس تعيدنا الى نموذج الصحابة في بناء مجتمع متكافل ومتراحم قولا وفعلا.. فهلا توقفنا في زحام الحياة مع أنفسنا؟ [email protected]