خرجَ الأولادُ قبل أن تميلَ الشمسُ لتغطسَ في البحارِ البعيدةِ، هناك خلف جبالِ القريةِ اللامعةِ بعد المطرِ الغزيرِ. خرجوا يعدون، وهم ينتعلون الأرض الطينيةَ، ترسم ملامحهم ثيابهم الغبراء القصيرة، وشعورهم النافرة، وصدورهم العارية، كانوا يتضاحكون وهم يسيحون مبتعدين عن البيوت نحو الأرض الفسيحة المبتلة، البيوت الحجرية التي لا تزال تلمع جدرانها بالقطرات العالقة، خرجوا وخرجت معهم العصافير، ويمام الحقول، يملأون الفضاء بأغنيات الفرح بعد أن سكت الغيث، حيث استكانت القرية لأمر السماء في أيام خلت. والمرأة التي أزهرت في ثيابها أغصان خضراء، مشت نحو تلال اللوز في ناحية القرية، مشت تحمل البطن الذي فيه ولد، يداها تحيطان بالخصر ممّا هو خلف الصدر، انحنت في منتصف التل، وقطفت الحامض من النبات، تتلفت نحو جلبة الأولاد الراكضين نحو الحقول. كان الوابل قد طوى الليل والنهار، يضرب كل ما هو ساكن، خيوطه المتلاحقة في قبضة العواصف، تتدافع عبر خشب النوافذ والأبواب في شقوقها وفجواتها، وحين نضبت السماء، وسمح للشمس أن ترى نفروا يستبقون سيقانهم الرفيعة. تناجوا: لنقبض طرف القوس الملون. وامتطوا بهجة ما قبل الليل مسرعين. وكانوا في طريقهم يعدون الألوان القزحية، يبعثرونها في زرقة السماء، يختصمون ويتصالحون ثم يتراكضون وعيونهم نحوالجبل البعيد. قطعوا مسافة الفرح في غفلة الزمن، يتسلّقون الوهم صاعدين، وجبال القرية الغربية تستدرجهم نحو شغف الخيال الموغل في البُعد. فوق صخرة ملساء جلست المرأة وهي تحاذر الوقوع، وأقدام ناعمة تعابث بطنها، فتحن مبتسمة وتداعبه بأصابعها، ثم انها خشيت البرد، فلملمت جسدها ونهضت، وهناك عند عتبة الدار ولجت نحو دفء الكانون الموقد جمره، تمضغ حامض الورق، تتأوّه، وعمّا قريب كان الجفنان يغطيان تعب العيون. وفي ثقل النوم تسرب الولد قاصدًا فتنة القوس القزحي في السماء. مستجيبًا لوحي الأولاد في ندائهم البعيد. هاهم الأولاد على مشارف السحاب المستكين، فوق قمم الجبال، والقرية في البعيد تفزعهم حين يبصرونها في قبضة الليل القادم، يخشون أن يبتلعها، ويسرق منهم هدية المساء. في خفة البطن المتلاشي فزعت المرأة راكضة نحوهم، كانت تطير كالظبية، وتنهب الجبال حيث يقف الأولاد، شاهدوها نقطة بعيدة تتنامى نحوهم، وتتشكل جسدًا في العيون، رفعوا أيديهم نحو القوس البعيد اللامع متوسلين، تنبسط كفوفهم نحو السماء، والمرأة تبتسم وهم يتحلّقون حولها، عيونها نحو السماء، حيث يمتطي القوس الفاتن وليدها الذي يشبه قطعة من سحابة بيضاء ناصعة، في غمرة الزمن ينضب الضوء، وتذوب الألوان في عتمة السواد، راحوا يبحثون في قناديل السماء المضيئة، ثم ينحدرون قافلين نحو البيوت، يتهامسون ..يدمعون. كانت المرأة قد وعدتهم أن يتحوّلوا إلى قناديل من فضة في لوحة السماء، حينها تركوا للجبال عتمتها، وانحدروا نحو أعشاشهم ينتظرون الصباح، يمنون أنفسهم بقزحية الألوان، ويحلمون بقناديل السماء.