إن عدم تقدم مؤتمرات التقريب والوحدة بين أطياف المجتمع هو ناتج من عدم اتفاقهم على مفهوم مشترك للوحدة، حيث البعض قد ينظر إليها من خلال الذوبان في الآخر والبعض الآخر ينظر إليها من خلال العمل المشترك الذي يضم الجميع تحت سقف واحد، وآخر يعمل على قاعدة تعدد الأدوار ووحدة الهدف. ومهما تقدمت هذه المؤتمرات خطوات كبيرة إلا أنها سرعان ما تنطفئ وتعود إلى المربع الأول عند حدوث أي اهتزاز وتجاذب من هنا أو هناك، وهذا دليل على وجود خلل في القاعدة التي بني عليها هذا المؤتمر وهي (العمل على ما نتفق عليه وترك ما نختلف فيه)؛ لأنه لا يمكن تحقيق الاستقرار والتهدئة فيما بيننا عبر تكميم الأفواه وكبت الآراء وذلك بعدم فتح الملفات المختلف عليها، فإن ترك ما نختلف عليه لا يدفع إلى التهدئة المطلقة، وإنما المؤقتة والتي تجعل النار تحت الرماد. كيف يمكن ترك أو تجاوز القضايا المختلف عليها والتي أدت إلى اهتزاز المتفق عليه، فكيف يسلم المشترك إذا لم يحسم ويعالج المختلف عليه، حتى العمل على ما نتفق عليه يحتاج إلى تفصيل، لأن المشتركات التي بيننا إذا كانت مصطنعة وغير واقعية فإنها لن تدفع إلى التوحد والتقارب وإنما إلى الحذر والترقب. فالخلاف الذي بيننا إذا لم يُطرح للنقاش والحوار بكل شفافية ووضوح فإنه يبقى كالجرح الذي لم يندمل بعد والذي قد تظهر آلامه بمجرد ملامسته أو الضغط عليه.. لذلك فإن التقارب والوحدة بين المدارس المختلفة لا تتحقق إلا بالعمل على ما نتفق عليه من المشتركات الحقيقية والواقعية ومعرفة ما نختلف فيه ولكن ليس من أجل تركه وتجاوزه وإنما لقبوله والتعامل معه، فلكي نعزز التعايش والانسجام الذي بيننا فإننا بحاجة إلى القبول بالتعدد الواقع والتعامل معه كما هو؛ لأننا جميعًا وإن جمعتنا كلمة التوحيد إلا أننا من مدارس مختلفة ومتنوعة بكل تفاصيلها. بدر مطلق الجويد - المدينة المنورة