ما بين دخول شهر رمضان الكريم وخروجه في كل عام يسود المجتمع حالة من الترقب والتخوف إثباتًا أو نفيًا للدخول والخروج؛ حيث تتجاذب تقرير هذه الحقيقة المرجعية الدينية المتمثلة في الرؤية بالعين المُجردة - فقط - استنادًا لنص الحديث النبوي الشريف الذي يقول: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته من جهة، والمراصد الفلكية التي بدأت تقاريرها في السنوات الأخيرة تظهر للعيان بناءً على استخدامها لأدوات وأجهزة علمية في حساباتها لإثباتها من جهة أخرى، ولكن المُتتبع لتداعيات الموقف بين الجانبين يجد أن تقاذف التهم هو اللغة السائدة بينهما، والانتقاص من وجهة النظر هو المُحرك الأساسي لذلك؛ فكل جانب يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى أن تكون الكلمة الفصل هو قائلها، في الوقت الذي يجب أن يُعضِّد كلٌ منهما الآخر في قضية جوهرية تمس ممارسة شعائر الناس الدينية، بدلًا من هذا التنافر غير الموضوعي. إن الأخذ بما تُثبته المراصد الفلكية لا يتعارض مع المقصد البعيد لمدلول الحديث النبوي الشريف؛ لأن الدين مُتجدد في ذاته، وصالح للأخذ بكل مُستجدات العصر العلمية التي تُعين الناس على تسيير الأمور الدنيوية، وليس اختراقًا للطقوس الدينية المتوارثة التي أوقفها البعض عند فهم النص دون محاولة البحث عن المقصد من هذا النص؛ فليس من المعقول -كما ذكر الشيخ العبيكان- في صحيفة عكاظ يوم الاثنين 17-8-2009 «أنه لا يُعقل مطلقًا أن يرى الإنسان الهلال دون أن تتمكن المراصد الحديثة من مشاهدته، لا سيما أن المراصد تستطيع تكبير القمر إلى نحو 300 مرة مما تشاهده العين المجردة»، فهل الرؤية بالعين المُجردة مهما كانت حدة نظرها وبُعد الهلال عنها مثل الرؤية من خلال المرصد العلمي الذي يُكبِّر الهلال مرات عديدة؟ فالإجابة على مثل هذا التساؤل المحوري بعيدًا عن الإسقاطات السلبية للمُشكلة تعني أننا بدأنا نتلمس الخطوات الأولى في مسار البحث عن حل موضوعي لها بعيدًا عن تداعيات المواقف الشخصية التي غالبًا ما تُوقعها الحماسة في مزالق؛ لذا آن الأوان لإيجاد صيغة توافقية ترتكز على لائحة تحري رؤية الهلال التي صدرت بالأمر السامي الكريم المبني على قرار هيئة كبار العلماء وقرار مجلس الشورى، والتي تضمنت تشكيل لجان يشترك فيها المرجعية الدينية المرتكز وجهة نظرها على النص الشرعي، وبين المراصد الفلكية المُعتمدة على الحسابات العلمية في سوق حُجتها، لأن الأصل في القضية هو تعضيد الرؤية بالعين المُجردة بما تُثبته المراصد الفلكية، وليس الانتصار للرأي من أجل إثبات الذات فقط، لأن مثل هذا سيؤدي ربما إلى تغييب الحقيقة، خاصة إذا ما علمنا أن ذلك يرتبط بمواقيت العبادة، ويترتب عليه القيام بأداء شعائر دينية قد لا تتفق مع مواعيدها الصحيحة؛ مما يُسيء من حيث أُريد الإحسان.