كثرت الآراء حول ما إذا كان ربيع الثورات العربية يصب في مصلحة إسرائيل، أو يعمل في اتجاه معاكس لتلك المصلحة، وحيث أغفل البعض أن انغماس العديد من البلدان العربية في الشأن الداخلي بسبب تلك الثورات منح إسرائيل فرصة لا تعوض في الانفراد بالفلسطينيين، تحديدًا في تصعيد حركة الاستيطان المسعورة في القدس العربية. وزاد من اتساع نطاق تلك الحملة انشغال الفلسطينيين عما يحدث في القدس في الإعداد لما يعرف باستحقاقات سبتمبر . الفرق في الحالتين أن إسرائيل تقوم بحملة الاستيطان تلك في نفس الوقت الذي تخوض فيه معركة دبلوماسية وسياسية وإعلامية حامية الوطيس ذات شقين ضد الفلسطينيين : الشق الأول يتمثل في محاولة إثناء الفلسطينيين عن الذهاب إلى الأممالمتحدة الشهر المقبل طلبًا لاعتراف المنظمة الدولية بدولة فلسطين المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 بالتذرع بأنه إجراء أحادي الجانب، فيما يتمثل الشق الثاني في محاولة إقناع العديد من دول العالم بعدم التصويت لصالح قيام الدولة الفلسطينية، وهو ما تمثل مؤخرًا بالرسائل التي أرسلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أكثر من 40 رئيسًا في قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية لإقناعهم بعدم التصويت على أي قرار يصدر عن الجمعية العامة بهذا الشأن. لابد وأن يقف المرء مشدوهًا أمام مهزلة الاستيطان في القدس التي وصلت إلى ذروتها هذا الشهر من خلال مصادقة حكومة نتنياهو على إقامة (930 ) وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة ابو غنيم و (1600) وحدة استيطانية جديدة في شعفاط، وتوسيع مستوطنة «رمات شلومو» فيما يجري العمل للمصادقة على اقامة (700 ) وحدة استيطانية في مستوطنة»جفعات همتوس» المقامة على أراضي بيت صفافا وبيت جالا و(2000 ) وحدة استيطانية في «بسجات زئيف» التلة الفرنسية والمقامة على أراضي لفتا. الأمة العربية مطالبة وهي تخوض في مستنقع الدماء في سوريا وليبيا واليمن والعراق أن تعي حجم المخاطر والتحديات التي تواجهها على أكثر من جبهة وعلى أكثر من صعيد . كما أن الفلسطينيين عليهم أن يعوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم وأن يضعوا في الاعتبار أن الوقت لا يمر في مصلحتهم، وأن استمرار الخلاف والانقسام بين رام الله وغزة هو الوضع الأمثل لإسرائيل لإنجاح حملتها الاستيطانية المسعورة والإجهاز على ما تبقى من عروبة القدس.