يمكن القول إن المشروع الصهيوني لم ينته باحتلال كامل أراضي فلسطين التاريخية الذي تم في حرب يونيو 1967م، وإنما الأصح القول إن احتلال الضفة الغربية بما في ذلك القدسالشرقية في تلك الحرب إنما كان البداية الحقيقية لهذا المشروع بدءًا من محاولة إزالة دولة الاحتلال الطابع العربي والإسلامي عن هذه المدينةالفلسطينية العريقة التي اصطبغت بالصبغة العربية منذ أكثر من 5000 عام عندما كانت مأهولة بسكانها العرب اليبوسيين. المتتبع لمراحل المشروع الصهيوني سيلاحظ أن إسرائيل أدركت منذ قيامها عام 1948 على أنقاض وطن وشعب تضرب جذوره في أعماق التاريخ والحضارة أنه لا يمكن أن تستمر إلا بإلغاء الهوية والسيادة العربية على القدس واستبدالها بالهوية اليهودية، وهو شكل آخر من أشكال القرصنة التي تعني في هذه الحالة اختطاف التاريخ وسرقة التراث والآثار وتزوير الهوية، وهو ما شرعت في تنفيذه فعليًا عقب احتلالها للقدس العربية مباشرة عندما بدأت على الفور في حفرياتها تحت وحول منطقة الحرم القدسي الشريف وهدم حارة المغاربة بكاملها، وهي لم تتوقف منذ ذلك الوقت عن عملية التهويد التي وصلت في عهد نتنياهو إلى مراحلها الأخيرة بهدم المنازل وطرد السكان، وتغيير أسماء الشوارع والأحياء العربية إلى اللغة العبرية، إلى جانب إقامة الكنس والأنفاق تحت تلك المنطقة حتى أصبح المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. دعوة المملكة أمس الأول خلال اجتماع مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - منظمة اليونسكو إلى العمل على وقف اعتداءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي على قصور الخلافة الأموية الإسلامية والحفريات التي تجريها في القدس واصفة إياها بالانتهاك الصارخ للقانون الدولي بهدف طمس وتدمير تلك المعالم، هذه الدعوة وتلك الإدانة تكشفان عن قلق المملكة المتزايد من جراء عدم اكتراث المجتمع الدولي، - وبالأخص الأممالمتحدة وأجهزتها المعنية - بتلك الانتهاكات، وتكشف أيضًا عما تستشعره من مخاطر إزاء محاولات إسرائيل استبدال هوية القدس العربية بالهوية اليهودية، وحيث تظل الهوية العربية التي تشكل الآثار العربية أحد أبرز معالمها الشاهد الأكبر على عروبة القدس الذي يؤيده استمرار الوجود العربي فيها منذ العهد اليبوسي حتى الآن.