يبدو أن المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة المصرية مصمم على قطف جائزة نوبل للسلام. لقد فاجأ طنطاوي الجميع بمن فيهم قائده الأعلى السابق بانحيازه الواضح لجماهير الشعب التي ظلت تزأر في ميادين مصر مطالبة بالتغيير, وفي لمحة تاريخية نادرة وفي ربع الساعة الأخير أومأ طنطاوي لأعضاء المجلس الأعلى بأنه معهم ومع جموع الشعب لا عليهم قبل أن يتوجه لميدان التحرير واضعا يديه على أكتاف جندي صغير وهاشا في وجهه قائلا: “مالك؟ كله شئ هيكون تمام” وقد كان. تحولت المصفحات والمجنزرات والمدرعات وكل أشكال وألوان القطع الحربية المصرية الى دروع لحماية المتظاهرين الذين طمأنهم المشير على أن كل شئ سيكون تمام.. وعندما توجه نفر منهم الى القصر الجمهوري حيث المدافع مصوبة طوال الوقت أمر بتحويل فوهاتها صوب القصر وليس في وجه الغاضبين. ازداد سقف المطالب وازداد انصهار المشير قبل أن يتحول هو وصحبه من أعضاء المجلس الى قادة شعبيين بالمفهوم الكامل والجميل للمعنى. ولقد كان يمكن للمشير أن يستجيب لمطلب ويصرف النظر عن آخر, أو أن يساوم بتحقيق مطلب على حساب مطالب أخرى. ولقد كان للمشير أن يعلن غضبه وتأففه من كثرة المطالب, ولقد كان له ولأعضاء المجلس أن يعبروا عن غضبهم من فرط انفعال المتظاهرين, لكنه وبشهامة ونبل الجندي الشريف راح يعتذر لهم عن رد فعل الشرطة العسكرية مؤكدا بثقة أن رصيد المجلس المتراكم لدى الشعب يسمح بتجاوز الموقف. سنوات قليلة وربما شهور ويتقاعد المشير, لكنه سيظل حاضرا في ذاكرة مصر والعالم, بعد أن قدم أجمل منظومة عسكرية في تاريخ البشرية الحديث, وعندما يصعد قريبا لاستلام نوبل سيعلن اقتسامها مع شبان التحرير حتى تظل مصر في منأى عن الفتن وراضية عنه وعن صحبه الى يوم الدين.