مع أنَّنا في نهاية الثلث الأول من القرن الخامس عشر الهجري إلاَّ أن المرأة المسلمة لم تنل بعد كامل حقوقها في الإسلام ، وتتفاوت المجتمعات الإسلامية فيما منحته من تلك الحقوق ، ولنسترجع معاً ما منحه الإسلام من حقوق للمرأة ، ونقارن به وضع المرأة السعودية الآن : لقد أعلن الإسلام أنّ المرأة إنسانة مساوية للرجل في الإنسانية في آيات كثيرة منها قوله تعالى : ﴿ يَا أيها النَّاسُ اتَّقوا رَبَّكُم الَّذي خلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ واحدةٍ ﴾ {1: النساء} وقال صلى الله عليه وسلم « إنَّما النساء شقائق الرجال» ،وأنَّها مكلفة محملة بأمانة الاستخلاف مثل الرجل تماماً ،لها وعليها مثل ما له وعليه يقول تعالى في الآية 30 من سورة البقرة ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ وكرَّم الله بني آدم ذكوراً وإناثاً على حد سواء : ﴿ ولقدْ كَرَّمنا بَني آدم ﴾ ،وكونه خص الرجل بالنبوة ،فلا يعني أنَّه أفضل من المرأة ،لأنّ هذا من قبيل توزيع المهام التي تنسجم مع خصائص المكلف التي أوجدها الله فيه طبقاً للمهام المكلف بها، والمرأة هي المنجبة للأنبياء والمربية لهم، وقد خص الله السيدة مريم بنسب النبي عيسى عليه السلام إليها، وأن تنجبه دون أن يمسسها رجل ،أليس في هذا تكريم للمرأة؟ ،ثمَّ أنَه جعل الأم أحق الناس بالصحبة ،وجعل الجنة تحت أقدامها ،كما جعل الإحسان إلى البنات والأخوات يُدخل الجنة وأنَّ الله عادل ،ولا يظلم ،ولقد حرَّم الظُلم على نفسه ،والخلق جميعاً عنده سواسية ،وأنّ مقياس الأفضلية لديه هو التقوى لا ذكورة ولا أنوثة ،وقد أعلن هذا في قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾{الحجرات: 13} إنَّ الأصل في الشرع هو المساواة بين الذكور و الإناث في الخطاب والتكليف بالأحكام ، وكذا في الثواب الأخروي والعقاب من ذلك قوله تعالى ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ { آل عمران : 195} لتساويهما في الأهلية، فلا وصاية للرجل عليها، فقد ساوى بينها وبين الرجل في الحدود والقصاص والعقوبات، ولم يسقط عنها حداً أو عقوبة للأنوثة، فإن قتلت تقتل، وإن سرقت قطعت يدها، وإن زنت وهي غير محصنة جلدت، وإن زنت وهي محصنة وأقرت بزناها رجمت مثلها مثل الرجل تماماً سواءً بسواء، فالمرأة ليست دون الرجل عقلاً ،والمفهوم الصحيح للحديث النبوي الشريف «ما رأيتُ من ناقصات عقل ودين أذهب بلب الرجل الحازم من إحداكن» هو أنَّ المرأة بعاطفتها ورقتها تأخذ بلب الرجل الحازم ،وهو دليل على ذكائها ،بل أنَّها أكثر ذكاء من الرجل الحازم ،ونقصان العقل هنا المقصود به غلبة العاطفة ،وهذا لا يمس عقل المرأة ،فالعقل مناط التكليف ،والمرأة مكلفة مثل الرجل تماماً ،ولم يسقط عنها قصاص أو حد أو عقوبة لأنَّها أنثى ،وهي التي تسقط عن الصغير والمعتوه والمجنون ،ويكفي أنَّها راوية للحديث المصدر الثاني للتشريع، كما أعلن مساواتها للرجل في فريضة العلم ،إذ جعله فرضاً عليها كما هو فرض على الرجل ، وليس من حق الزوج ،أو الأب ،أو الأخ حرمانها من حقها في التعليم. والمرأة متساوية مع الرجل في الشهادة ،أمَّا شهادة امرأتين برجل واحد فهذه في حال الإشهاد على توثيق عقود المداينة ، وليس في الشهادة في المحاكم في مجالس القضاء ، وذلك لعدم ممارستها للأمور المالية ،وإن مارستها فشهادتها تعادل شهادة الرجل لانتفاء العلة ،هكذا قال ابن القيم ، ولها حق المشاركة في الحياة العامة بحكم تحملها أمانة الاستخلاف ،أمَّا قرار المرأة في بيتها امتثالاً لقوله تعالى : ﴿ وقرن في بيوتكن﴾ فهذه الآية خاصة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم ،وليس بسائر النساء ،ويؤكد هذا قوله تعالى في الآية التي قبلها ﴿ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء.. ﴾ . وساوى بينها وبين الرجل في الولاية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،يوضح هذا قوله تعالى : ﴿ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ ، أمَّا الحديث النبوي « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» فهو بخصوص السبب ،وليس بعموم اللفظ. كما ساوى بينها وبين الرجل في حقي الشورى والبيعة ،فقد جاءت آيتا الشورى بصيغة العموم ،أما البيعة فقد جاء الخطاب فيها للمرأة لتأكيد هذا الحق لها ،ولفصل بيعتها عن بيعة الرجل ،ومادام لها الحق في أن تُبايِع ،فلها الحق في أن تُبايَع مثلها مثل الرجل تماماً. لقد اعتبر الإسلام الإحسان إلى البنات والأخوات طريقاً إلى الجنة ،وقرنه للبنات بالأخوات تعطي دلالة مسؤولية الأخ عن أخته لاسيما التي لا أب لها ،ولا زوج ،ولا ابن؛ إذ ألزم الأخ بأخته، وتعهده لها بالتربية والتنشئة والتعليم كإلزامه بابنته يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات ،أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة). ومنحها الإسلام أهلية مالية كاملة، ولها ذمة مالية مستقلة عن الرجل، ولها أن تتصرف في مالها كما تشاء من بيع وشراء ورهن ووقف ودين وهبة مثلها مثل الرجل، ولها حق الإرث، ومن الأخطاء الشائعة تعميم قوله تعالى : ( فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثييْن ) في كل حالات الميراث ليثبتوا أفضلية الرجل على المرأة دون أن يقرأوا الآية التي قبلها (وإنْ كانوا إخْواَنَاً رِجَالاً ونِساءً) ،ودون أن يبينوا أنَّ الإخوة الذكور يأخذون ضعف أخواتهم لأنَّهم مسؤولون عن نفقتهن ،إضافة أنَّ المرأة في عشر حالات تأخذ مثل الرجل، وفي حالات تأخذ أكثر منه، وفي حالات هي ترث ،وهو لا يرث. للحديث صلة.