تعيش المملكة العربية السعودية هذه الأيام حركية مهمة فاتحة من خلالها أحضان الحفاوة والترحاب الكبيرين لآلاف الحجاج الذين يتوافدون كل سنة على ربوعها الطيبة من كل أنحاء البلاد العربية والإسلامية ولطالما برهنت المملكة الشقيقة عن سخاء كرمها بمناسبة هذا الموعد الديني المهم في حياة المسلمين بفضل حرص خادم الحرمين الشريفين على أن يؤدي الحجيج الميامين فريضتهم في أفضل الظروف وأيسرها فتلك هي خصال خادم الحرمين الشريفين النبيلة وتلك هي تقاليد المملكة العربية السعودية الشقيقة في مثل هذه المناسبة الدينية الجليلة التي تحتل مكانة رفيعة في حياة ووجدان المسلمين قاطبة في مشارق الأرض ومغاربها ولا شك أن كل من قدّر له أن يؤدي فريضة الحج قد لمس عمق هذه الرعاية السعودية بموسم الحج وعايش عن قرب وبشكل ملموس مستوى رفيعًا من المتابعة الناجعة لسير موسم الحج بدءًا باستقبال الحجيج الميامين مرورًا بأدائهم فريضة الحج وصولًا إلى عودتهم إلى أوطانهم.. وفي هذا الإطار يحظى الحجيج التونسيون بحسن الرعاية وكريم العناية حيث يؤدون كل سنة فريضتهم في البقاع المقدسة في أفضل الظروف وأيسرها وهم في هذا السياق خير سفراء لوطنهم في مستوى أداء الفريضة في كنف التعلق بقيم التسامح والاعتدال والوسطية وهم بذلك يجسمون عمق الروابط التي تجمع بين تونس والمملكة العربية السعودية الشقيقة التي شهدت منذ تحول السابع من نوفمبر نقلة مهمة بفضل الإرادة الراسخة التي تحدو سيادة الرئيس زين العابدين بن علي وأخاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله.. ومن ثمار هذه العلاقات الثنائية المتميزة تنامي مستوى التعاون والتشاور والتنسيق بين قيادتي البلدين وتبادل الزيارات الرسمية في كنف الاحترام المتبادل والرؤية الحكيمة لواقع ومستقبل العلاقات الثنائية ومما شجع على إرساء هذه العلاقات المتميزة توفر أرضية متينة للاستثمار في تونس بحيث أن المملكة تعد أحد أبرز المستثمرين الخليجيين في تونس فضلًا على اتفاقيات التعاون الاقتصادي المبرمة بين البلدين واستقطاب المملكة لليد العاملة التونسية الماهرة التي تعمل في هذا البلد العربي الشقيق في نطاق التعاون الفني وتحظى الكفاءات التونسية في هذا الإطار بتقدير واحترام الأشقاء السعوديين. ومن جهة أخرى فإن الدبلوماسية التونسية السعودية ساهمت بشكل جذري في توطيد أواصر التعاون وتمتين العلاقات الثنائية بفضل ما تتسم به من رصانة وحكمة في التعاطي مع كل المسائل ذات الاهتمام المشترك سواء على المستوى الثنائي أو على المستويين الإقليمي والدولي. والجدير بالذكر والتثمين أن المملكة العربية السعودية مثل شقيقتها تونس تساهم بشكل ناجع في تقديم الحلول والبدائل لمجمل القضايا المطروحة إقليميًا ودوليًا ناهيك عن دعمهما الكبير والموصول للقضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط إلى جانب الإسهام الفاعل في خدمة الحوار بين الحضارات والأديان والثقافات ونشر الخطاب الديني المستنير وإشاعة القيم الروحية والحضارية والإنسانية السامية وفي مقدمتها التضامن والحوار والتعايش والتسامح والاعتدال والوسطية. وبذلك تكون تونس والمملكة العربية السعودية قاطرة دفع حضاري كبير وجسرًا من جسور التعاون المثمر ومنطلقًا دائمًا للحلول والمبادرات الخيرة والنيرة التي من شأنها أن تخدم مصلحة الشعوب العربية والإسلامية والإنسانية قاطبة. لذلك فإن جهودهما كانت دائمًا محل احترام وتقدير إقليمي ودولي واسع نظرًا لما تتميز به هذه الجهود من حكمة وعقلانية ونجاعة.. وفي هذا السياق فإن موسم الحج يمثل مناسبة قيمة لتوطيد هذه العلاقات المتميزة وإثرائها بالقيم الروحية والدينية والحضارية السامية وهو الوجه الآخر للمعادلة باعتبار أن موسم الحج ولئن كان في طبيعته وجوهره فريضة دينية حتمها الله تعالى على كل مسلم يستطيع إلى ذلك سبيلًا فإن خلفيته الحضارية تبدو أمرًا لافتًا من خلال التعلق بقيم الاعتدال والوسطية والتسامح حتى يعلم العالم بأسره أن الإسلام والمسلمين بعيدون كل البعد عن تلك الصورة المشوهة التي كرستها الأحداث والوقائع التي تلت الهجمات الإرهابية على التراب الأمريكي في الحادي عشر من سبتمبر 2001 وإن كانت إرهاصاتها وجذورها تعود إلى زمن الحروب الصليبية قبل قرون خلت. فمن واجب المسلمين إذن أن يغتنموا لقائهم الحاشد بمناسبة موسم الحج لتصحيح هذه الصورة وتنقيتها من الشوائب التي علقت بها منذ بداية القرن الجديد والألفية الثالثة وإظهار صورة الإسلام الصحيحة أمام العالم، تلك الصورة المشرقة التي تنهل من معين أخلاقيات وقيم ديننا الإسلامي الحنيف الذي ينبذ الإرهاب والعنف والتطرف ويدعو إلى التعايش الآمن بين الحضارات والأديان، تلك هي مسؤولية الحجيج الميامين التي يتيحها لهم موسم الحج مسؤولية إزاء الإسلام وإزاء حضارتنا العربية الإسلامية وإزاء أنفسهم كمسلمين وإزاء أوطانهم التي توافدوا منها على البقاع المقدسة. تلك هي الأمانة والمسؤولية والواجب حتى يكون موسم الحج عنوان تحابب ولقاء وتسامح إلى الأبد.