سمعنا جميعًا بالدعوات المتتالية الصادرة من الغرب والتي ترفض حرق نسخ من المصحف الشريف من قبل قس متطرف في كنيسة صغيرة لا أتباع لها وتعاني من الإفلاس وتسعى للحصول على تغطية إعلامية بأي ثمن. وهذه الدعوات تبدو مشجعة وتوحي بشكل حقيقي بأن العالم بدأ يدرك خطر صراع وصدام الحضارات والديانات وضرورة ترسيخ الحوار كأسلوب تفاهم أساسي ووحيد يجنب البشر ويلات الصراعات. كما أن هذه الدعوات تبدو كأنها أصبحت تعكس رؤية ترفض بشكل حقيقي ازدراء الأديان والرسل والكتب المقدسة التي لا يجوز لي كان التعدي عليها بل يجب احترامها. لكن المدهش أن تترافق هذه الدعاوى مع تكريم رسام الكاريكاتير الدنمركي كورت فسترغارد الذي أثارت رسومه المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الغضب في العالم الإسلامي، وذلك في ألمانيا بجائزة مخصصة لحرية الصحافة وتلقيه دعم المستشارة الالمانية انغيلا ميركل خلال الاحتفال بل وإشادتها به. وفيما برر القائمون على الجائزة منحها للرسام بأنه أصبح أيقونة لحرية التعبير يظهر تساءل حقيقي حول مفهوم حرية التعبير الذي يمثله هؤلاء وأيضًا إلى أي حد ستبقى بعض الدول وتحت مسمى حرية التعبير تسمح بالإساءة للأديان السماوية، بينما قوانينها تمنع الإساءة للأشخاص أو الهيئات تحت طائلة العقاب القانوني. هذه الرسائل التي يصدرها الغرب للعالم الإسلامي في تناقضها وتزامنها لن تنجح في رأب الصدع بين الطرفين وإخماد الدعوات المتطرفة لصراع الحضارات، فعندما يندد الغرب بحرق كتاب الإسلام المقدس (القرآن)، ثم يقوم بتكريم رسام أساء لبني الإسلام في نفس الوقت فما هو نوع الرسالة التي يتلقاها المسلمون في أنحاء العالم؟!. يحب على العالم وبشكل حقيقي اتخاذ موقف شجاع دون الخوف من ابتزاز أو تهم جاهزة، كي يقرر بوضوح أن احترام معتقدات الآخرين يجب أن يصبح عقيدة دولية وقانونًا تتمسك به كل الشعوب وإن نجح في ذلك فسيكون قد قام بأكبر خطوة نحو ترسيخ وتعزيز السلم والأمن العالمي وتوثيق العرى بين الشعوب والأمم وأتباع الديانات المختلفة.