كثيرة هي المنغّصات الناتجة عن سوء استخدام التقانة ومنتجاتِها، كالهواتف النقالة التي استخدمت إمكاناتُها السمعية والبصرية، في مجتمعنا، بطرق لم تخطر أبدًا على بال مخترعيها ومنتجيها. وكذلك الأجهزة السمعية في السيارات سواء التي تنبّه وتحذّر، أو التي تَهز العواطف والأقدام والأرداف. ومكبرات الصوت على المساجد التي تُرفع درجتها حتى تصل إلى مستوى الصفير، فتشوّه الأصوات القرآنية الجميلة. ثم تنقل بعد ذلك المحاضرات الطويلة لخطيب مزمجر صيّاح، لتفرضها على سكان الحي، وعلى الغادي والرائح في الشوارع فرضًا، وهم غير مهتمين بِها ولا مصغين إليها. فالمهتم بالمحاضرة، إن كان عنده فسحة من وقت، ولم تكن له مشاغل عائلية، أو معيشية، أو مرضيه، لن يختار الشارع أو يذهب إلى بيته ليسمعها صفيرًا وإزعاجًا منبعثًا من مكبرات الصوت. وإنما يستمع إليها نقية في المسجد، فيحسن فيه الاستماع والتركيز والاستفادة. لماذا نصرّ أن نُسمع قصرًا من في الشارع أو البيوت الذين شُغلوا بأمور أخرى؟ ولعل من أشنع باعثات الأصوات ما يسمّى بال (دي جي) بسماعاته الضخمة المنصوبة في جوانب صالات الأفراح. فإذا نطقت هذه الصائحات، صمت الناس غصبًا جميعًا. فلن يستطيع الجليس أن يسمع جليسه. ليصبح الفرح والتواصل الاجتماعي صمتًا مفروضًا، وقطعًا لأواصر المحبة، وسجنًا للنفوس في ذواتِها، وحرمانًا من المودة والتقارب. هذه بعض الأمثلة على التلوّث السمعي. فكثيرون لا يعرفون من التلوّث إلاّ تلوّث الهواء الناتج من الانبعاثات من عوادم السيارات ومن المصانع؛ وما تسببه من سحب سوداء وزرقاء ومطر حامضي. أو تلوّث المياه المدمر للبحار وكائناتِها وطبيعتها، والأنْهار والآبار ومصادرها ومخزوناتِها. ولكنهم لا يعرفون التلوّث السمعي، ولا التلوّث البصري اللذين لهما تأثير مباشر وقوي على أعصاب الإنسان وتوازنِها، ومثيرات القلق والاضطراب، ومحفزات السعادة، والهدوء، والمتعة، والتركيز، وارتفاع الإنتاجية، وتسامي الثقافة والمعرفة، وتواصل أفراد المجتمعات، وتحسن أخلاقياتِها، وصيانة ناسها من الأمراض النفسية، والسلوكية، والعضوية.