ودّعنا بالأمس القريب الشاعر المبدع والإنسان الأبيّ الرقيق الشاعر محمد عبدالقادر فقيه حيث ووري ثراه في مقبرة المعلاة في مدينته التي أحبها وذكرها كثيرًا مكةالمكرمة أعزّها الله. ولن أتكلم في هذا المقال عن شاعرية شهد لها كثير من كبار النقاد؛ فمساحة المقال وشاعرية الرجل لن تسمحا بهذا أبدًا، ولكني سأروي للسادة القراء جانبًا من شخصية اقتربت منها كثيرًا وقتما كان شعره مدارًا لبحث الماجستير في جامعة أم القرى.. إذ لفت نظري المشرف على البحث آنذاك الأستاذ الدكتور عبدالله باقازي إلى شاعرية فقيه واستحقاقها لكثير من البحث والدراسات، وذهلت أن كيف استطاع فقيه التغلب على مصيبته في سمعه ليأتي ببديع المعاني ورقيق الشعر وأعذبه..!! ثم أخذني بعدها الأديب الرائع عبدالرحمن المعمر لمقابلة الشاعر فقيه في منزله العامر بالأدباء والكتّاب في مخطط الأمير فوّاز بجدة.. لأقترب أكثر من شخصيته رحمه الله التي كانت متهللة هاشة باشة في وجه كل قادم وزائر بل إنه رغم تقدمه في السن ووجود من يخدمه كان يؤثر أن يكرم ضيوفه بنفسه ويلح عليهم في ذلك، لتتكرر اللقاءات والزيارات بيننا حتى عرفت كثيرًا من جوانب شخصية وحياة شاعر الوجدان وعصاميته وعنايته الكبيرة بتفوق أبنائه وبناته العلمي وفخره بذلك. لكن الجانب الأهم في نظري من حياة فقيه والذي انعكس كثيرًا على شعره هو ظلال الصداقة التي عاشها الشاعر مع ثلة منهم كبار الأدباء والشعراء يأتي على رأسهما الأديبين الكبيرين عبدالله بلخير وعبدالعزيز الرفاعي - رحمهم الله جميعًا – فالرفاعي صديق فقيه الأثير كتب مقدمة ضافية لمجموعة الشاعر وتذييلاً لها أيضًا بينما كان الإهداء في المجموعة موجهًا إلى معالي الشيخ عبدالله بلخير ومنه قوله: يا أبا يعرب ضمدت جراحي ودموعي وهزمت الليل من حولي وأوقدت شموعي لقد كان فقيه حفيًا بأصدقائه لا يجد حرجًا في الاعتراف بفضل أحد منهم أو عتابه إذا اقتضى الأمر وديوانه مليء بمثل هذه الحفاوة فهؤلاء الأصدقاء هم مصدر الفرح والألم في حياته وشعره وهم الماضي الجميل الذي يتذكره دومًا، فلطالما كان فقده لأصدقائه بالموت أو الغياب أعظم الفجيعة وأكبر العزلة لهذا الشاعر الرقيق الشفاف.. فلله ألا يستحق فقيه أن نرثيه كما رثى أصدقاءه وأحبابه وهو يناديهم قائلاً: من لي بهم وجناحي داميًا مزقًا فقد أثخنته الليالي فهو مرتهن إن محبة فقيه لأصدقائه هي محبة للقيم والفضائل والأخلاق التي لاذ بها وتأبى على الضيم وغدر الزمان أليس هو القائل في قصيدته الرائعة (نأسى عليكم): كنا.. ومازال في أعماقنا مثل ٌ من الصمود إذاريب الزمان رمى لنا ركائز أخلاق نلوذ بها وقمة من إباء طاول القمما فرحمك الله يا أبا عادل فقد كنت الوفي في زمن قلّ فيه الوفاء وها نحن نقدم اليوم بعض شعرك في رثاء صديقك الكبير الرفاعي كعزاء فيك ولك فالله الله ياشاعر الوجدان والصداقة وأنت الذي قلت: علم على قمم الخلود ينام أغفى وتخفق حوله الأعلام