أطلق ولي العهد صاحب السموّ الملكيّ الأمير محمد بن سلمان -أيده الله- منذ أيّام برنامج تنمية القدرات البشريّة، وهو أحد مستهدفات رؤية مملكتنا الغالية، وهو برنامج عمليّ وطموح؛ يهدف إلى الارتقاء بإنسان هذا البلد العظيم: علماً وفكراً، وقيماً وسلوكاً، ومهارات، وتنافسيّة. وجاء حديث معالي وزير التعليم -وفقه الله- بالأمس ليوضّح بجلاء دور وزارة التعليم المحوريّ في هذا البرنامج الوطنيّ الكبير، متضمّناً الإشارة إلى برامج الوزارة العمليّة، التي ترافق إنسان هذا الوطن -منذ الطفولة المبكّرة- مستهدفة توفير بيئة تعليمية جاذبة ومثمرة، وتركّز على بناء المهارات الكبرى التي تنمّي قدرات الطلبة العلميّة والفكريّة، والاجتماعيّة، والبدنيّة، وغايتها: إعداد «مواطن يخدم وطنه، ويعتزّ بقيادته، ويشارك في تنمية مجتمعه، ويتّسم بالوسطيّة والاعتدال، وشغوف بالتعلّم مدى الحياة.. ينافس عالمياً»، وهذه غاية سامية، ومخرجات نفيسة بلا شكّ. مرحلة الطفولة المبكرة إذاً هي البوابة الأولى التي تبدأ منها الوزارة برامجها وخططها التنفيذيّة العمليّة؛ كي تحقّق غاياتها ومخرجاتها المأمولة. وهذه المرحلة المبكّرة مهمّة وحساسة في سياسة الإنسان وتربيته وتشكيله وإعداده للمستقبل، ولا غرو أن عُني بها المفكّرون والتربويّون أيما عناية، وعدّوها الأساس، والمحضن والمنبت، وأنّ لها ما بعدها، وأنّ ما يتلقّاه فيها الطفل لا يكاد يمّحي (كالنقش في الحجر)! وقد أحسنت الوزارة صنعاً أن جعلت هذه المرحلة في رأس خططها التنمويّة، إيماناً منها بأنّ قيم الطفل وميوله ومهاراته تتشكّل في سنيّه الأولى، ومن أجل ذلك طوّرت الوزارة المناهج الموجّهة إلى هذه المرحلة، ثمّ أسندت التدريس فيها للمرأة؛ لخبرتها الفطرية في تربية هؤلاء النشء، ولصبرها الأتمّ على تعليمهم واستئناسهم، وأعلنت الوزارة بأنّها تستهدف دخول ما لا يقلّ عن 90% من أطفالنا بمرحلة الروضة بحلول عام (2030م). وإلى وقت قريب كانت مسؤولية تربية الطفل وتعليمه ملقاة على عاتق البيت والمدرسة، لا ينافسهما في هذه المهمّة الجليلة منافس، حتى جدّت -في العقود القريبة- أقنية أخرى أصبحت مساهمة ومنافسة في تكوين اتجاهات فكرية وسلوكيّة في نفوس النشء، بل المجتمع بأسره: أعني وسائل الإعلام ومنصات التقنية الرقميّة الجديدة؛ التي تعرض موادّها ورسائلها على مدار اليوم، ويتلقّاها الصغير والكبير؛ بسهولة كبيرة، وقد مثّل ذلك همّاً مؤرّقاً للآباء والأمّهات ومؤسسات التربية والتعليم؛ لما تمثّله تلك الأقنية الجديدة بفضائها المفتوح من تهديد للقيم المجتمعيّة ولخطط التربية الموجّهة. وعلى سبيل المثال: فإنّ لغتنا العربية -وهي إحدى ركائز هويّتنا الكبرى- تواجه ضغطاً كبيراً وزحفاً مخيفاً من اللغات الأخرى -ولا سيّما اللغة الإنجليزية- عبر هذه الوسائل الحديثة، مما دعا الغيورين إلى التنادي بضرورة مقاومة هذا الزحف الحضاري العنيف، والدعوة إلى تعزيز اللغة العربية في النفوس بوسائل شتّى على الأصعدة الرسمية والمدنيّة، ولا غرو أن ورد التنصيص على تدعيم اللغة العربية ضمن أهداف (برنامج تنمية القدرات البشرية). استاذ الأدب في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة