قبل سنوات صدر حكم قضائي بالغرامة ضد أحد مشاهير الدعاة من أصحاب الشعبية الواسعة والحضور الطاغي؛ بعد أن رفعت عليه إحدى المؤلفات دعوى استيلاء أدبي على أحد كتبها؛ الذي قالت إنها دفعت إليه بمسودته لكتابة تقريظ في مقدمته، فوضع اسمه على الكتاب وطبعه!. . وجه العجب هنا ليس في ما قام به الداعية بل في ردة فعل جماهيره ومحبيه، فعلى الرغم من أن الحُكم أكّد على ما اعتدناه وما عرفناه عن جهاتنا القضائية من نزاهة وعدل واستقلالية كاملة إلاّ أن معظم من كانوا يقعون تحت التأثير الطاغي للرجل شككوا في الحكم، بل ورفضه الكثير منهم بحجة أنه مكيدة لتشويه السمعة، رغم أن الداعية نفسه لم يبدِ اعتراضاً، بل كتب اعتذاراً لطيفاً للمؤلفة!. . تأثير الهالة Halo Effect حالة يجنح فيها العقل تحت تأثير الهالة الإعلامية أو الشعبوية لشخص؛ منكراً ورافضاً كل ما يمكن أن يغير من الصورة النمطية التي رسمها في داخله، سواء كانت هذه الصورة إيجابية أو سلبية، ويحدث هذا مع المشاهير والنجوم عادة، كأن يخرج شخص له ثقله ووزنه ونجوميته في المجتمع، ويقول برأي غريب يخالف الحقائق العلمية الثابتة، فيرفضه المُتجرِّد الذي لم تفقده هالة أضواء هذا النجم قدرته على الرؤية والتمييز ، بينما يقبله بلا أدنى مناقشة أو تفكير من يقعون في دائرة التأثير من محبين وأتباع. . بمعنى أبسط تأثير الهالة هو الحكم بالسلب أو الإيجاب على شخص بناء على صفة واحدة تعرفها عنه، ثم تعمم هذا الحكم على شخصيته كلها، كأن تحكم بالإخلاص على موظف لمجرد أنه يأتي مبكراً، أو أن تحكم على طالب بالنبوغ لأنه درس في جامعة أوروبية. ونظراً لأنه انحياز عقلي يقوم على العاطفة كما قلنا فلم يكن غريباً أن يتم استخدام هذه الظاهرة لترويج المنتجات عبر المشاهير، وهو ما يحدث حتى اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهيرها. . ما حدث في الأيام الماضية بعد وفاة الدكتورة نوال السعداوي هو تجسيد مثالي لتأثير الهالة من الناحيتين السلبية والإيجابية، فاذا كان هناك ثمة من يجزم بأنها ذاهبة للجحيم لا محالة بعد أن أفسدت -في رأيه- في الأرض دهوراً.. فعلى الجانب الآخر هناك من يرى أنها -رغم حدتها- قد قدمت للمجتمع العربي خدمات جليلة لم يقدمها غيرها لذا فهي ذاهبة للجنة ونعيمها.. وكلا الرأيين متحيز وخاطئ ليس مرة واحدة بل مرتين، مرّة حين يتجرأ ويفتئت على رحمة الله وعفوه، ومرة أخرى حين يحكم على شخص بحكم قطعي بناء على صفة واحدة فيه تعجبهم أو لا تعجبهم!. . تأثير الهالة حالة من الانحياز العقلي تفسر لماذا يسهل علينا الإفراط في الحب أو الكراهية؟!، ولماذا نتغاضى بسرعة عن أخطاء بعض الناس ونهوّل أخطاء البعض الآخر؟! وكثير من أحكامنا للأسف تصدر تحت تأثير هذا الانحياز العقلي غير المنصف، ليس على الأشخاص فقط؛ بل على كل الأشياء من حولنا، الأمر الذي يجب أن نتنبه له، فالعقل لا بد أن يتجرد ويتحرر من كل المؤثرات العاطفية والتحيزات التي تمنعه من إطلاق أحكام صحيحة ومنصفة وغير ظالمة.