تميزت ولاية قريش للبيت الحرام في عهد قصي بن كلاب بن مرة (الجد الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم) بالخدمات التي كانت تقدمها للحجاج في موسم الحج من كل عام، والتي تمثلت في السقاية، والرفادة.. أضف إلى ذلك الحجابة، وهي القيام برعاية البيت، وتخصيص كسوة للكعبة كل عام؛ من أجل المحافظة عليها من الأمطار والرياح وحرارة الشمس، إلى جانب تجديد بناء البيت الحرام.. ونتيجة لهذه الخدمات الجليلة التي قدمتها قريش للحجاج والعرب كافةً في أثناء وجودهم في مكة من أجل الحج أو التجارة على حدٍ سواء، حقّقت مكّة شهرة واسعة بين أقاليم شبه جزيرة العربية قديماً، ومكانة خاصة في قلوب العرب كافةً في تلك الفترة من التاريخ، فكان لهذه القبيلة دور في توثيق الروابط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية بين القبائل العربية.. أضف إلى ذلك كله سيادة اللهجة القرشية في شبه الجزيرة العربية على اللهجات المعاصرة لها كافة؛ وحصيلة هذه الخدمات العظيمة والجليلة سادت قريش العرب إقليمياً ودولياً بدليل الأحلاف التي عقدتها مع الدول الكبرى في تلك الفترة من التاريخ من روم وفرس. والشيء بالشيء يذكر، فإن وجود الحرمين الشريفين على أرض المملكة العربية السعودية أعطاها مكانة استثنائية على المستوى الإقليمي والدولي، إذ شهد الحرمان الشريفان توسعًا وتطوراً منذ عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم وصولاً إلى العهد السعودي؛ فقد أولى ملوك المملكة الحرمين الشريفين اهتمامًا كبيراً، من توسعتهما وتطوير خدماتهما. وفي عهد الملك سلمان -حفظه الله- تابع مسيرة ملوك المملكة في العناية وتطوير خدمات الحرمين الشريفين؛ حيث أمر باستكمال التوسعة الثالثة، إلى جانب استحداث العديد من المشاريع.. أضف إلى ذلك، أطلق الملوك على أنفسهم لقب «خادم الحرمين الشريفين»، منذ عهد الملك فهد، الذي أسقط لقب صاحب الجلالة؛ استشعارًا منهم بواجباتهم الدينية والوطنية. وقد أفردت رؤية المملكة 2030 برنامجاً خاصاً بخدمة ضيوف الرحمن، يهدف إلى تقديم أفضل الخدمات للحجاج والمعتمرين ومساندتهم في استكمال مناسكهم بكل يسر وسهولة، إلى جانب إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المسلمين للقدوم للحج والعمرة.. فبواسطة الحج والخدمات المرافقة لهذه الشريعة والركن الخامس من أركان الإسلام، يتم التعارف وتبادل المنافع والتقارب بين المجتمعات باختلاف شعوبها وأقطارها. وزع قصي بن كلاب مآثره بين أبنائه في حياته وتوارثوها بينهم بعد وفاته، كذلك اعتنى ملوك المملكة بالبيت الحرام والخدمات المرافقة له، بدءاً بالآباء ومروراً بالأبناء حتى يومنا الحاضر. فهل نحن نشبه أسلافنا؟ سلمى بنت محمد هوساوي [email protected]