نستعرض في حلقة اليوم المراحل المختلفة من التوسعات التي شهدها البيت الحرام من قبل دخول الاسلام حيث كان البيت الحرام يحظى باهتمام القبائل العربية المجاورة إلى أن جاءت رسالة الإسلام حيث صدع الرسول الكريم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة و السلام بنور الإسلام فكان الاهتمام الأول بالكعبة المشرفة وتطهيرها من الأوثان ثم توالت التوسعة في عهد الخلفاء الراشدين وخاصة في عهدي الخليفة عمر بن الخطاب والخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنهما ثم توالت التوسعات في عهد خلفاء بني أمية وخلفاء العصر العباسي وفي كل عهد من العهود الإسلامية يزداد البيت ا لحرام اتساعاً ويكتسى حلة جديدة. من المعلوم أن بداية بناء الكعبة المشرفة شيء وبناء وعمارة المسجد الحرام شيء آخر حيث تعود بداية بناء الحرم المحيط بالكعبة الى عهد قصي بن كلاب الجد الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم فهو أول من قام ببناء وادي إبراهيم حين وضع حدوداً لتلك المساحة التي جعلها كفسحة واسعة حول الكعبة المشرفة فلم تكن بالوادي أي دور مشيدة أو جدر قائمة محاطة بالكعبة المشرفة فكانت القبائل التي تقطن مكة من العمالقة وجرهم وخزاعة وقريش وغيرهم يقيمون في شعاب مكة ,فكانوا لا يبنون حول الكعبة أي بيت أو جدار احتراماً وتعظيماً لشأن الكعبة المشرفة حتى استولى قصي على مكة وأخذ من خزاعة مفتاح الكعبة بعد تلك الحرب الشعواء التي دارت بينهم , فكان هو أول من قام بالبناء في مكة حيث بنى تلك الدار التي اسماها (دار الندوة) في الجانب الشمالي وتحديداً في ذلك المكان الذي يعرف اليوم بمسمى فسحة باب الزيادة. كما قسم الجهات المحيطة بالكعبة الى أقسام بين قبائل قريش حيث كان ذلك التقسيم الذي بنت قريش عليها مساكنهم حول الكعبة يوجد بين كل دارين أرض دائرية الشكل منها باب يؤدي الى فسحة الطواف,وبذلك يكون قصي هو أول من حدد المساحة الأولى للطواف كما هو الذي اوجد أيضا المناصب الإدارية لأول مرة في مكة وحدد مدلولات تلك الوظائف التي تعنى بخدمة الكعبة المشرفة وهي: السقاية والرفادة لإطعام الفقراء من الحجاج واللواء و الحجابة وتولى مسؤوليتها الى أن تقدم به العمر فانتقلت بعده وظائف الكعبة إلى ابنه عبد الدار ثم أُعطيت السقاية والرفادة لأبناء عبد مناف وأُعطيت الحجابة واللواء والندوة لعبد الدار. فتح مكة وبعد أن فتح الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة أزال ما كان على الكعبة من أصنام وكان يكسوها ويطيبها، ولكنه لم يقم بعمل أي تعديل على عمارة الكعبة وما حولها كما لم يرجع الكعبة إلى سابق عهدها في أيام سيدنا إبراهيم -عليه السلام-خشية من الفتنة لأن قومه كانوا حديثي عهد بالإسلام، لكن كانت أهم الأحداث في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو توجيه القبلة بأمر من الله إلى المسجد الحرام يقول تعالى: ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) البقرة: الآية 144. فظل المسجد الحرام على حاله طوال خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- دون تغيير. إعادة المقام وبناء أول سور للحرم تعرضت مكة لسيل سمي (أم نهشل) جاء من جهة المدعى سنة 17 ه واقتلع مقام إبراهيم من موضعه وذهب به الى أسفل مكة حيث المكان الذي وجد به وتمت إعادته الى مكانه الصحيح ولما بلغ الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه الأمر توجه مسرعاً على الفور من المدينة الى مكة ودخلها معتمراً في شهر رمضان في السنة 17ه ووقف على موضع المقام الصحيح الذي أعيد إليه وبعد أن انتهى رأى حاجة المطاف الى توسعة بسبب زيادة أعداد الحُجّاج الوافدين للطّواف حول الكعبة المشرّفة عاما بعد آخر ولعجز ذلك المطاف لاستيعاب الطائفين بالبيت الحرام فقام بشراء البيوت المجاورة للمسجد حول المطاف وأدخلها في المطاف وتمت توسّعة الساحة المخصصة للطواف يحيط به ذلك الجدار الذي أقامه لأول مرة كسور للمسجد حيث كان ارتفاع ذلك السور لا يرتفع عن قامة الرجل وجعل له أبوابا يدخل الحجّاج والمعتمرون منها للطّواف حول الكعبة المشرفة وجعل سيدنا عمر رضي الله عنه على ذلك السور مصابيح لتنير المطاف ليلا فكان سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه هو أول من جعل للمسجد الحرام سوراً ووضع المصابيح في المسجد. كما قام رضي الله عنه بعد الانتهاء من التوسعة وبناء السور بعمل ذلك الردم الذي عرف بالسد العظيم بالمدعى الذي بناه رضي الله عنه بالصخور وكبسه بالتراب لمنع دخول سيول الأمطار الى المسجد الحرام وتحويلها من المدعى الى شارع المسعى لينحدر السيل الى باب السلام بعيداً عن المسجد الحرام ويعتبر ذلك الردم هو أول سد وضع بمكة في 17ه ويعود سبب تسمية السيل (أم نهشل ) لان امرأة من قريش ماتت بذلك السيل فسمي باسمها وظل ذلك السد صامداً حتى جاء سيل عظيم سنة202ه فكشف عن بعض أحجار الردم. أول أروقةً للمسجد شهد المسجد الحرام في عهد الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- توسعة أخرى بسب كثرة سكان مكةالمكرمة وعدد الوافدين إلى بيت الله وضاق المسجد الحرام بالمصلين فاشترى أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه الدور التي حول المسجد وأدخلها إلى المسجد وكان ذلك سنة 26ه كما قام -رضي الله عنه- ببناء أروقة للمسجد فكان ذو النورين أول من بنى أروقة للمسجد الحرام. تسقيف الحرم ودعمه بالرخام لما كان في سنة أربع وستين وخمس وستين للهجرة اشترى الأمير عبد الله بن الزبير أمير مكة حينذاك دوراً من أصحابها وأدخلها ضمن حدود المسجد وفيما روي أنه زاد في المسجد زيادة كثيرة وجعل فيها أعمدة من رخام وكانت الزيادة من الجهة الشرقية مما يلي الصفا والشمالية مما يلي المسعى ومن جهة الجنوب وكانت زيادة كبيرة على المسجد سنة 66ه طالت جهاته الشّرقية والجنوبيّة والشّمالية وقام بعمل سقف للمسجد ودعمه بأعمدة من الرّخام وبذل أموالاًً طائلةً في شراء بعض البيوت المحيطة به التي ضمّ أرضها لساحة المسجد وقد بلغت التّوسعة التي أجراها نحو 4050 متراً مسطّحاً. إدارة الصفوف حول الكعبة بعد أن قام الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان بأداء فريضة الحج في عام خمس وسبعين للهجرة حيث رأى مدى حاجة المسجد الحرام للعمارة فقام برفع جدران الحرم وسقفه بالسّاج ووضع على رأس كلّ أسطوانة خمسين مثقالاً من الذهب ومن جملة أعماله إدارة الصفوف حول الكعبة في عهد خالد بن عبد الله العشري دون أن يحدث أيّ زيادة في مساحته. رواق دائري و شرفات وفي عهد ابنه الوليد بن عبد الملك عام 91ه أضاف مساحات أخرى إلى الحرم من الجهة الشرقية رواقًا دائرياًَ على حافته وجدد بناء المسجد وأقام فيه أعمدة من الرخام فكان أول من جعل في البيت أعمدة تم لأول مرة نقل أساطين الرخام وأعمدة الرخام من مصر والشام إلى مكة على العجل، وقد بلغت هذه التوسعة نحو 2300 متر مربع، وكان الوليد بن عبد الملك هو أول من آزر المسجد بالرخام من داخله، كما أهدى إلى الكعبة المشرفة هلالين وسريرا من ذهب. ونقض عمل عبد الملك وعمل عملاً محكماً وآزر المسجد بالرخام من داخله وجعل في الطيقان واجهة في أعلاه من الفسيفساء وهو أول من عمله في المسجد الحرام وجعل للمسجد شرفات. مئذنة بني سهم فلم يعمر بعد الوليد بن عبد الملك المسجد الحرام أحد من الخلفاء حتى زاد الخليفة أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين في عام 137 ه مساحة المسجد الحرام حيث أضاف فيها مساحات أخرى للمسجد وبعض الأروقة فزاد في شق المسجد الشامي الذي يلي دار العجلة ودار الندوة في أسفله وأصلح في عمارته، وقد تمثلت تلك الزّيادة في إقامة رواق واحد ينفذ على صحن المسجد الحرام كما بنى الخليفة المنصور منارة في ركن المسجد الشمالي الغربي في نهاية الطرف من التوسعة عُرفت باسم (مئذنة بني سهم) وكان شكل المئذنة هو مكعب في الجزء الأسفل والجزء العلوي فهو أسطواني يعلوه خوذة المئذنة، وبلغت هذه الزّيادة نحو 4700 متر مربع. وكان من ولى المسجد لأبي جعفر هو زياد بن عبد الله الحارثي وهو أمير على مكة وسار إلى دار شيبة وأدخل أكثرها من الجانب الأعلى من المسجد فتكلم أبو جعفر مع زياد في أن يميل عنه قليلاً ففعل فكان في هذا الميل إزوراراً في المسجد فبنى عليه بأساطين الرخام طاقاً واحداً وآزر المسجد من بطنه بالرخام وجعل في وجه الأساطين الفسيفساء وزخرف بناءه وزينه بأنواع النقوش والبس حجر إسماعيل بالرخام وكان أول من البسه بالمرمر من داخله وخارجه وأعلاه وتقدر زيادته ضعف ما كان المسجد قبل الزيادة واستمر العمل في بنائه من محرم سنة 137 وفرغ منه ورفعت الأيدي عنه في ذي الحجة سنة 140 أي ثلاثة أعوام متتالية. 434عاموداً و24باباً وأربع مآذن أعقب العمارة السابقة بعمارتين كبيرتين من الجهتين الشمالية والشرقية في عهد الخليفة المهدي بن منصور العبّاسي عام 160 ه الأولى جرت عام 167 ه، وأكمل بها عمارة أبيه الخليفة أبو جعفر المنصور؛ حيث وسّع المسجد الحرام من الموضع الذي انتهى إليه والده في الجانب الغربي، كما وسَّعه من أعلاه ومن الجانب اليماني وقد بلغت هذه الزيادة 7950 مترا مسطحاً. أما العمارة الثّانية: فقد جرت بعد أن قدم المهدي للحج عام 169ه، وساءه أن يرى العمارة الأولى التي أمر بإجرائها لم تجعل المسجد مربعاً وتتوسّطه الكعبة المشرفّة، فأمر المهندسين بتدارك الأمر وإجراء التعديلات والتوسعات اللازمة بتوسعة الحرم من الجهة الجنوبية لأن الزيادة لم تشمل الجانب الجنوبي بحكم انه مجرى سيل وادي إبراهيم وكان خلف المجرى بيوت للناس وكان لابد عند الزيادة من تحويل مجرى السيل إلى جبل الصفا وخافوا أن لا يتم ذلك فأصر المهدي على التوسعة وعلى توسيط الكعبة فكان ما أراد واشترى بخمسة وعشرين ديناراً للذراع المربع الدور المجاورة من الوادي والذي لا دور فيه ب 15 ديناراً وبدأت الزيادة من أعلاه من باب بني هاشم الذي يستقبل الوادي والبطحاء وأنفق أموالا طائلة حتى تحقّق له ما أراد،ونقل من الشام ومصر أحجار الرخام والأعمدة الرخامية الكبيرة التي أنزلت بميناء جدة وحملت على عجلات الى مكة وانتهت هذه العمارة في عهد ابنه موسى الهادي بعد أن توفاه الله وقد بلغت هذه الزيادة نحو 2360 مترا مربعا،وكان عدد الأعمدة وقتها أربعمائة و(434) عموداً وكان عدد الأبواب في المسجد (24) باباً وأصبح للمسجد أربع مآذن في أركانه الأربعة. وجرد الكعبة بما كان عليها من ثياب وكتب المهدي اسمه في أجزاء من المسجد الحرام كما وجدت خطوط باسمه على عدة اسطوانات من المسجد وكانت زيادة المهدي من أوسع الزيادات وأعظمها. غداً بقية مراحل إعمار المسجد الحرام