يتواصل السخط في الأوساط اليمنية على الصعيدين الشعبي والرسمي وسط اتهامات لميليشيا الحوثي الانقلابية بأنها تسعى لتجريف تاريخ اليمنيين، وترسيخ الثقافة الحوثية المستوردة من الحوزات الإيرانية، اثر قيامهم على هدم واحد من أقدم المساجد الأثرية والتاريخية في مدينة صنعاء القديمة المدرجة عام 1986م ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو". وإتهمت وثيقة صادرة عن الهيئة العامة للآثار والمتاحف الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مسؤولي مكتب الأوقاف وهيئة المدن التاريخية، بهدم مسجد النهرين الأثري بموجب اتفاقية بينهما قضت بإزالة مبنى المسجد الذي يعد أثراً هاماً" يستوجب حمايته والمحافظة عليه وليس تدميره وهدمه لبناء جامع جديد بدلاً عنه". وأشارت إلى أن مسجد النهرين يعدّ من الجوامع الأثرية، وقد بُني في القرن الأول الهجري من قبل أحد الصحابة الذي سكن في النهرين، وقبره بجانب المسجد، ولفتت إلى توسعة الجامع في القرن الحادي عشر والثالث عشر، ليصبح منذ ذلك التاريخ بموجب قانون الآثار "أثراً هاماً يستوجب حمايته والمحافظة عليه وليس تدميره وهدمه لبناء جامع جديد بدلاً عنه". وتداول ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا تظهر مسجد النهرين التاريخي بصنعاء القديمة، وقد تمت مساواته بالأرض من قبل ميليشيا الحوثي الإرهابية. وتاريخياً يعد مسجد النهرين بصنعاء منارة علمية درس فيه العديد من الأعلام في مجالات الفقه واللغة وأصول الدين منهم الشيخ المقرئ محمد حسين عامر، وجاء في كتاب (مساجد صنعاء عامرها وموفيها) للقاضي العلامه محمد الحجري، أن مسجد النهرين "من المساجد العامرة غربي السائلة أسفل صنعاء، وهو منسوب إلى الناحية التي عمر فيها إذ هي مشهورة بهذا الاسم من صدر الإسلام". ويرى مراقبون أن جريمة هدم المسجد تمس التراث التاريخي لليمن، واستهداف للمقدسات الإسلامية، وإحلال ثقافة الإرهاب والتطرف بدلاً عن ثقافة التسامح التي عُرف بها المجتمع اليمني طوال تاريخه. ليس بجديد أكد بعض من الناشطين والعاملين بمجال التراث أن الجماعة بجريمتها تلك لم تراع لا حرمة المسجد القدسية ولا رمزيته التاريخية، كونه - بحسبهم - يعد من الآثار اليمنية الفريدة وذات الأهمية الكبيرة. وان اعتداء الأوقاف الحوثية حديثا على المسجد ليس جديدا، بحسب الناشطين كونها «تندرج ضمن سياساتها الإجرامية التي تنتهجها منذ انقلابها بحق المعالم الدينية والتاريخية». وطالبت الهيئة العامة للآثار والمتاحف في صنعاء والخاضعة للجماعة بمحاسبة الفاعلين، وإحالتهم إلى القضاء، والعمل على إعادة بناء المسجد من جديد. وعبر موظفون وعاملون في هيئة الآثار والمتاحف عن إدانتهم واستنكارهم الشديدين لمواصلة الجماعة الحوثية الموالية لإيران استهداف المعالم الدينية والأثرية. وأوضحوا أنه وبموجب قانون الآثار اليمني يعد مسجد النهرين المعتدى عليه مؤخرا من قبل الميليشيات واحداً من أهم المعالم التاريخية والأثرية لمرحلة الحضارة الإسلامية، حيث يجرم المساس به أو هدمه تحت أي ذريعة. وكان مواطنون وسكان محليون في صنعاء القديمة اتهموا شخصيات نافذة في الجماعة بالوقوف وراء عملية الاعتداء التي وصفوها ب«السافرة» بحق ذلك المسجد التاريخي. جريمة نكراء نددت كل من وزارة الإعلام والثقافة والسياحة ووزارة الأوقاف في الحكومة الشرعية بهدم المسجد في بيانين منفصلين باعتبارها «جريمة نكراء» استهدفت مسجدا يتجاوز عمره ألفا وثلاثمائة عام. وقالت وزارة الإعلام اليمنية إن «هذه الجريمة تعد اعتداء سافرا على الحضارة اليمنية والإرث الإنساني والإسلامي، وتعبيرا جليا عن نزعة الحقد الأعمى الذي تحمله هذه الجماعة تجاه كل ما يتصل بالحضارة والثقافة، وتطرفا لم تسبق إليه غير جماعات إرهابية وظلامية تشبه هذه الجماعة الإرهابية كما حصل في أفغانستان وغيرها». وناشد البيان كل الجهات المعنية المحلية والدولية «بالتدخل العاجل لوقف ما تمارسه هذه الجماعة من تدمير ممنهج للإرث اليمني ومحاولات طمس كل ما يتعلق بالإنسان والحضارة اليمنية في العصر القديم وكذلك الإسلامي». وأضاف «هذه النزعة ليست طارئة حيث عبّر عنها صراحة مؤسس الجماعة الصريع حسين الحوثي الذي دعا لهدم كل آثار الحضارة اليمنية، محددا آثار معين وسبأ وحمير التي اعتبرها أصناما وشركا يجب إزالتها وطمسها». كما دعا البيان كل الجهات والهيئات الدولية ومعاهد حماية التراث الدولية وعلى رأسها منظمة اليونيسكو لتبني حملة ضغط قوية وتفعيل آليات رقابة على كل المواقع والمناطق الأثرية الواقعة تحت الاستهداف الحوثي العنصري والعمل على حمايتها من أي تشويه وصولاً إلى إصدار قرارات دولية صارمة بحماية الإرث الثقافي اليمني ومعاقبة العابثين به. وأكد البيان احتفاظ الوزارة الكامل وسعيها لاتخاذ الإجراءات اللازمة في ملاحقة الجناة؛ وفقاً لقانون الآثار رقم 21 لعام 1994 وتعديلاته، ووفقا لكل التشريعات المحلية والدولية المعنية بالآثار والثقافة. من جهتها عدت وزارة الأوقاف في الحكومة الشرعية هدم مسجد النهرين «غير شرعي وجريمة تضاف إلى سجل جرائم الحوثيين»، وأوضحت أنه بني في القرن الأول الهجري، وتم توسعته في القرنين الحادي عشر والثالث عشر الهجريين، وأنه من المعالم الأثرية التي تستوجب الحفاظ عليه وحمايته. ودعت الوزارة المنظماتِ الدولية وفي مقدمتها اليونيسكو، إلى التحرك العاجل والجاد لحماية المعالم الأثرية اليمنية، خاصة الواقعة في صنعاء القديمة والمدرجة ضمن قائمة التراث العالمي، وكَفّ يد العبث الحوثية عنها.