هكذا هي الدنيا وهكذا هي إرادة الله.. قاسية تلك اللحظات التي لن تعود.. إنها لحظات الوداع الأبدي التي لا تخلف وراءها إلا الذكريات. ودعت أمي هذه الدنيا الفانية وماتت معها الخواطر والأحاسيس.. وانكسر القلم.. رحلت أمي وضوء القمر يعكس بريق وجهها.. رحلت... فأصبحت الدنيا بعدها سراب.. هكذا.. فجأة.. الموت يأخذ منا أجمل وأغلى ما نملك.. برحيلها فقدت كل معاني الحب والعطف والحنان.. رحلتي يا أمي.. وروحي لم تفارق روحك رحلتي وجزءًا مني بين ضلوعك في مرقدك الطاهر.. اتفقد غرفتك.. أبحث عن أثرك هنا وهناك ولم أروي عطشي بعد ولم أشبع نهمي من كل شيء فيك.. أقعدك المرض عبر أربع سنين ولكن لم يقعد نور وجهك الوضاء ولم يحجب ابتسامتك البريئة ولم يسكت حكاويك الجميلة.. لم أنس يا أمي نبرات صوتك العذبة وأنت ترحبين وتهللين بكل زائر.. أثق يا أمي أنك غادرت دنيا فانية إلى دار باقية إلى رب رحيم إلى جنة عرضها السموات والأرض.. لم أحزن لمآلك فهو أمر إلهي نافذ ولكني حزين إني سأبقى وحيدًا مهما كثر الناس حولي.. حزينًا لأني لن أرى النور والسرور حيث اعتدت أن أجدها.. لأني لم أعد ألقى ذلك الجبين الطاهر لأقبله وأطلب من خلاله تفريج كربي وتيسير عُسري.. حزين لأني وقفت ذات يوم متكلكلا من تقبيل قدميك الطاهرتين.. حزينًا يا أمي لكل دقيقة لم أضع خداي وسادة لأرجلك التي لطالما قطعت المسافات وحملت الصعاب لتقدمي لنا ما نشتهيه دون أن نشعر بتعبك.. حزين يا أمي لأني حملتك قبل وفاتك بساعات إلى حيث لا ترغبين لأجد لك متسعًا من البقاء بجواري.. حزين يا أمي لأني أوقفت عطايا كنت اعتادها إليك.. أماه لقد رحلتي من بين يدي ولم أكد أصدق أن أنفاسك العاطرة قد توقفت وأن آخر لحظات عمرك قد ودعت.. رحيلك يا أمي سيعيدني لعمري الحقيقي بعد أن كنت أعيش طفلا مدللا بجوارك.. أزف إليك يا أماه بشرى من أصدق خلق الله رسول الله «أيُّما امرأةٍ ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة»... وأي رضا يا أمي والله لو قدر لأبي أن يفتديك لافتداك بنفسه وماله وكل ما يملك.