المنورة منذ العهد النبوي وحتى اليوم لها موروثها الثقافي والاجتماعي المتميز بثرائه وتنوعه، ولها هويتها العمرانية والبصرية التي لها إطار عام يحكمها، وإنْ كانت قد أفادَت من سِمات وخصائص الحقب الزمانية التي مَرَّت بها وعليها. * والمدينة النبوية في العهد السعودي كانت ولا تزال تحظى بالرعاية الكبيرة والدائمة في شتى المجالات، وهي في ظِل عناية أميرها صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان تشهد حراكاً مستمراً، وتطوراً مذهلاً في كافة جوانب البنية التحتية والخدماتية والثقافية، وهناك السعي لمعالجة التشوهات البصرية في أحيائها وطرقاتها، والعمل على أَنْسنَتها، وتعزيز هويتها العمرانية. * ولكن في هذا الإطار الملاحظ اعتماد هَوية بصرية بعينها، ارتبطت بحقبة زمنية محددة مع غضّ النظر عن غيرها، وكأن التاريخ لم يحفظ للمدينة إلا معالم تلك الحقبة ورواشينها، وهذا ما سوف يكون خالداً في ذاكرة زوارها، وما سوف ينقلونه لدولهم ومجتمعاتهم. * وهنا دعوني أؤكد على تقديري لكل الجهود التي تبذل من «هيئة تطوير المدينة وأمانتها» بقيادة الرائع والمخلص (معالي المهندس فهد البليهشي)، ولكني أتساءل أين صورة وهوية طيبة الطيبة في عصورها المختلفة بداية من عهد رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم، وحتى يومنا هذا؟!، الإجابات أتركها لأولئك الأعزاء وللمختصين بتاريخ المدينة وحضارتها. * ولكن مَن المُسَلَّمَات والمُؤَكّدَات أن الأولوية عند زوار المدينة البحث عن إرثها في العهد النبوي، ولذلك أكرر مُقترحاً سبق وطرحته في هذه الزاوية قبل سنوات، وهو تجسيد الصورة التي كانت عليها المدينة في ذلك العهد بكل بيوتاتها وأدق تفصيلاتها كما رسمتها الأحاديث والآثار وكتب التاريخ؛ مع إضافة طرقات أو أحياء تمثل العصور التي مَرت بها بعد ذلك؛ وكذا التأكيد على هويتها منذ دخلت في العهد السعودي الزاهر عام 1344ه، وإبراز ما قُدِّمَ لتطويرها وخدمة أهلها وزائريها. * أخيراً المدينةالمنورة ومنذ ازدانت وشَرُفَت بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ أصبحت عاصمة متوَّجة للعالَم والإنسانية، ومدينة يسكنها دائماً الخير والسلام والطمأنينة، وعنوانها الدائم التعايش بين مختلف أطياف مجتمعها مِن أنصار ومهاجرين، وزائرين؛ ولذا فما أرجوه التأكيد على كلِّ ذلك الثراء والتنوع، وعدم تجاهل صفحات منه لسبب أو لآخر.