لا تعني الوِحدة بالضرورة أن تكون وحيداً مع قلة المُحيطين من الناس والاختلاط بهم، بل يُمكن أن يُساعد البقاء وحيداً لبعض الوقت على الاستجمام والاسترخاء وإعادةِ شحن الطّاقة النفسية، لكن المقصود هنا هو «الوِحدة المَرضية» حتى في وجود الشّخص ضمن مجموعة من الناس، وهي تتميّز برداءة نوعيةِ التواصل معهم، مع غلَبة مَشاعر العُزلة السّلبية والإحباط وعدم التقدير وغياب التفاهم.. وتكمُن مشكلة الشعور بالوِحدة لفتراتٍ طويلة في التسبّب باضطرابات عاطفية ومُضاعفات عضوية، تستدعي حلولاً صحية واجتماعية. ومن المَظاهر الخفيّة للوحدة المَرضية، التواصلُ السّطحي مع عددٍ كبير من الناس في البيئة العملية أو الدراسية أو الاجتماعية، وبمعنى آخر، افتقارُ العلاقات الاجتماعية إلى إشباع حاجةِ الإنسان لمن يفهمه، ويُشعره بالتقدير الشخصي.. وقد ينشأُ الشعورُ بالوِحدة عند الانتقال لمدينة جديدة، أو الارتباط بعملٍ جديد والالتقاء بزملاءٍ جدد، أو العمل من المنزل، أو نتيجة تكرّر الصّدمات العاطفية والإصابة بخيبات الأمل من بعض العلاقات الإنسانية كالزواج، وبخاصة في حال كان الشخص يعاني من ضعفِ مهاراته الاجتماعية في بناء جسورِ التفاعل الإيجابي. وترتبطُ الوِحدة المرضية بأعراض بدنيةٍ عُضويةٍ ونفسيةٍ منها: الأرقُ المُزمن، والتوترُ والقلق، وضعفُ التركيز والشهية للطعام، وتكرّر الإصابة بالعدوى الفيروسية، وآلام بدنية متفرّقة، والشعورُ بقلّة الثقة بالنفس، وغيرها، كما تُظهِر بعضُ البحوث ارتباط الوِحدة والعزلة السّلبية بمضاعفات منها: الوفاةُ المُبكّرة، وأمراض القلبِ والشرايين، ومرض السكّري، وارتفاع مستوى دهون الدم وزيادة الوزن، إضافة إلى اضطرابات النوم والإصابة بالاكتئاب. وعلى الرّغم من إمكانية الوقايةِ من مشاعر الوحدة والتغلّب عليها بتفهّمها واحتواء أسبابها، إلا أن كثيراً من الحالات تستدعي زيارة المختصين لمناقشةِ المشاعر السّلبية وأخذ النصائح السّلوكية للتعامل معها، كممارسةِ الرياضة، والتخلّص من عادة التدخين، واعتمادِ الإيجابية من خلال البقاء وحيداً لبعض الوقت، واستغلالِ الوحدة في هواياتٍ مثمرةٍ مُفيدة كالقراءة وخدمة المُجتمع، واحتمال استخدام مُضادات الاكتئاب في حال وصفها من الطبيب المختص، وبخاصة عند المعاناة من اضطرابات النوم أو القلق أو المزاج. * خاتمة: خلُصت دراسة مُطوّلة حديثة من جامعة هارفارد الأمريكية إلى أن العلاقات الإنسانية الجيّدة بعناصر الحُب والاطمئنان، أهم ما يوفّر السّعادة والرضا للإنسان، أي أن العبرة بنوعيةِ وجودة العلاقات، وليس بكثرتِها وتعدّدها.