لم يعد التعرّض للانترنت واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطاً بصعوبة الخلود للنوم ورداءة نوعيته والحرمان المزمن منه فحسب، فقد أشارت تقارير ودراسات علمية إلى ارتباط تلك المواقع الاجتماعية أيضاً بارتفاع خطر الإصابة بالتوتر والاكتئاب، خاصة لدى المراهقين وصغار العمر، وظهور مصطلح «اكتئاب الفيسبوك» تم اقتراحه حديثاً. وجاء موقع «انستجرام» في مُقدِّمة المواقع الاجتماعية المُرتبطة بفرط التوتر وأعراض الاكتئاب ومشكلة التنمّر الاجتماعي، وما يُسمّى باضطراب «فومو» أو «فاتَك»، أي الخوف والقلق الاجتماعي من فوات حدث أو تعليق أو أمرٍ ما يتم تداوله من خلال تلك المواقع، حتى لو لم يكن للشخص اهتمام حقيقي أو مشاركة فعلية. أما موقع «يوتيوب» فسجّل نتائج إيجابية تشير إلى دعمه المعرفة الصحية والترفيه والمزاج الشخصي. من الواضح أن متابعة أحوال وصور فئاتٍ مُختلفة من الناس ضمن مواقع التواصل الاجتماعي، يؤدي بكثير من النشء إلى الوقوع في فخّ المقارنات غير المنطقية والإصابة بالإحباط، فكثيرٌ من المُستخدمين لا يسأمون من نشر أخبار رحلاتِهم وأسفارهِم، ويغمرون صفَحاتهم بوابلٍ من صورهم «المُفَلتَرة» ! ولا يملُّون من تصوير أنفسهم وأطباق أطعمتهم وأشكال ملابسهم ومُشترياتهم ومُقتنياتهم، الأمر الذي قد يرتبط لدى بعضهم باضطراب «النرجسية» والهَوس بالحاجة للشعور بالاهتمام، لكنه يُثير لدى غيرهم مشاعر الحَسد والغيرة والغيظ والنقص وقلة الكفاءة وعدم الاكتفاء، فضلاً عن ضعف تقدير الذات، ومن ثمّ الاضطرار للجوء إلى العزلة الاجتماعية. ومن الأعراض المُلاحَظة على المتأثرين سلباً من التعرّض المُفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، ضعف الاهتمام بالنشاطات البدنية والاجتماعية التي تتطلب تواصلاً حقيقاً مع الناس، اضطرابات الشهية والوزن، الشعور المُفرط بالذنب، اضطرابات النوم، ضعف التركيز، رداءة التحصيل الدراسي، وفرط الحركة وتأرجح المزاج. من الواضح خروج وسائل «التواصل» الاجتماعي عن الغرض الأساس الذي أُنشئت من أجله، وارتباطها حديثاً بعددٍ من الاضطرابات المزاجية، وإساءة استخدامها من كثير من المستخدمين والوصول بهم إلى حد الإدمان السلوكي، مما يدعو إلى ترشيد استخدام تلك الوسائل لاستخدامات المَعرفة والتعليم والترفيه والتواصل المُنضبط، وتخصيص إرشاداتٍ ضمن صفحاتها للتوعية بأضطرار إدمانها وطُرق تجنبه، وإشراك مؤسسات التربية والتعليم والآباء على وجه الخصوص، في نقاشات فعّالة مع الأبناء حول أفضل الوسائل الصحية والنفسية للتعامل مع عصر ثورة التواصل والإعلام الرقمي.