بعد أن انتهى (إبراهام لينكولن) -الرئيس السادس عشر للولايات المتحدةالأمريكية- من كتابة هذه الرسالة تراجع عن نية إرسالها للجنرال (ميد) واحتفظ بها ضمن أوراقه الخاصة وكان محتوى الرسالة: «عزيزى الجنرال.. يبدو أنك لم تُقدر حجم الضرر الذى نتج عن فرار جيش الجنرال (لي) الذى كان فى قبضة أيدينا، إذ لو أنك قمت بما ينبغى لانتهت الحرب، وإذا كنت لم تُهاجم (لي) يوم الاثنين الماضى فكيف سيمكنك مهاجمته جنوب النهر وليس معك سوى ثلث جنودك، لقد تركت فرصة ذهبية تمر من بين أصابعك».. كانت الرسالة رد فعل طبيعى لعدم انصياع الجنرال (ميد) لأوامر (لينكولن) بالقضاء على جيش الجنوب بقيادة الجنرال (لي) أثناء انسحابه فقد وجد الجنرال (لي) حينما وصل (بوتوماك) أمامه نهراً لا يمكن عبوره، إذن من وجهة نظر (لينكولن): لا توجد فرصة أفضل من ذلك للقضاء نهائياً على جيش الجنوب.. لكن لماذا لم يرسل (لينكولن) لقائد قواته (ميد) هذه الرسالة؟ لأنه أصبح يفكر قبل إطلاق سراح الكلمات من فمه ويعلم ماذا قد تفعل الكلمات؟ لقد انتهى بالفعل من الكتابة ولكنه تذكر فترة شبابه وكيف أنه كان دائم الانتقاد للجميع، وكان يتفنن ويجد لذة فى العمل على ذيوع ما يكتبه من رسائل، بأن يلقي بها فى قارعة الطريق لتقع فى يد أحد المارة ويذيع ما بها.. لكن هذا السلوك جعله يفقد الكثير من أعز أصدقائه وأوصله إلى ما لا يحمد عقباه فقد تعرض بالنقد لأحد الساسة الإيرلنديين المعروفين بالتعجرف والغرور (جيمس شيلدز)، ولسوء حظ (لينكولن) أن النقد تم نشره فى صحيفة (سبرينج فيلد) فأصبح (شيلدز) محط استهزاء الناس مما جعله يغضب أشد الغضب من (لينكولن) ويدعوه إلى مبارزته نداً لند.. لم يستطع (لينكولن) رفض هذا التحدى وإلا فقد كرامته وشرفه واستعان بأحد خبراء المبارزة لتدريبه على القتال وجاء الموعد والتقى الخصمان ولكن المشاهدين للمبارزة استدركوا الموقف واستطاعوا ايقافها قبل أن يقتل أحدهما الآخر. وخرج من هذا الدرس بلسان لا يتحدث إلا بما هو حسن وعقل يفكر ويتمعن فى ما وراء الكلمات ولم يعد ينتقد أحداً ولا يوجه اللوم لأحد.. تمتلئ الكتب بالمآسى الناتجة عن اللوم فهناك من انتحر بسبب تعرضه للوم وهناك من تعرض للقتل ممن كان يلومه.. إذن كن حكيماً ولا تلقِ باللوم على أحد فجميعنا إلا من رحم ربى نرفض ونتكبر أن نعترف بأخطائنا.