الانتساب نظام تعليمي جامعي موجود في الجامعات العالمية منذ مطلع القرن العشرين الماضي، تتلخص فكرته في إتاحة الفرصة لمن لا تسمح لهم أحوالهم المعيشية والاجتماعية بالدراسة الجامعية المنتظرة، كارتباطهم بعمل أو مسؤوليتهم عن عائلة أو عجزهم عن دفع رسوم الدراسة الجامعية المنتظمة إلخ، فيسجلون في إحدى الجامعات بنظام الانتساب الذي يُسمى عند الغربيين Distance Learning أو Part Time Education، أو غير ذلك، بحيث لا يُلزم المنتسب بحضور المحاضرات والفصول الدراسية، وإنما يتلقى معارفه من المقررات الجامعية بنفسه، وقد تُقدم له دورات قصيرة في مختلف المواد التي يسجل فيها، وعادة ما تكون دورات اختيارية. وقد تطور الانتساب قبل عدة سنوات مع الثورة التقانية الهائلة التي يعيشها العالم التي شملت تطور وسائل الاتصال كما لم تعهده البشرية من قبل، ووفر الإنترنت للدارسين عن بُعد فرصاً لم تكن قائمة من قبل لحضور فصول افتراضية، والتفاعل مع أساتذتهم كما يتفاعل الطلاب في الفصول الاعتيادية والاطلاع على محاضرات مسجلة وقتما يشاؤون وسوى ذلك مما وفرته التقانة لحقل التعليم عن بعد ويسمى كذلك التعليم الإلكتروني: E. Learning، وفي ظل النظامين معاً: الانتساب والتعليم الإلكتروني لم يعد هنالك عذر لأي طالب أو طالبة أن لا يكمل دراسته الجامعية حول العالم. وقد كانت الجامعات السعودية رائدة في كل أنواع وأشكال التعليم بالتفرغ الجزئي إن استعملنا هذا المصطلح ليشمل كل أنواع الانتساب والتعليم عن بعد، وهو المصطلح الذي يروج في الجامعات الغربية عموماً: Part Time Education، كما أسلفنا. ومن بين الجامعات السعودية كانت جامعة المؤسس: جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، الجامعة الأولى في اعتماد نظام الانتساب والتوسع فيه خلال عشرات السنين ففتحت الأبواب المغلقة أمام مئات آلاف الطلاب والطالبات ممن لا تسمح ظروفهم بالدراسة المنتظمة، وهيأت لهم فرص الانخراط في تخصصات مهمة جداً يحتاجها المجتمع، كي يتخرجوا ويجدوا فرص عمل أفضل من التي هم عليها، وكاتب هذه السطور عاصر الانتساب في هذه الجامعة التي يفخر بالانتماء إليها قبل أكثر من أربعة عقود من الزمان مضت، فقد درّستُ المنتسبين قبل سفري للبعثة عام 1398ه وشاركتُ في الإشراف على اختبارات الانتساب في المناطق منذ ذلك العهد، وبعد عودتي من البعثة عام 1407ه. وخلال هذه الفترة التي تزيد عن أربعين عاماً قدمت مع زملائي عشرات الدورات للمنتسبين والمنتسبات في الفصول الاعتيادية، وقبل بضع سنين بدأنا نظام الدورات الإلكترونية بنظام بلاك بورد وسمعنا عن اعتزام الجامعة البدء باستخدام أنظمة أخرى أكثر تطوراً وحداثة للغاية قريباً جداً إن شاء الله، في ضوء المتابعة الدائمة لعمادة التعليم عن بعد بالجامعة لأحدث وأفضل أنظمة التعليم الإلكتروني في العالم المتقدم، ونقل تقنيتها بسرعة إلى مسيرة التعليم عن بعد بالجامعة قبل الجامعات السعودية الأخرى غالباً. وسواء بقي الانتساب بشكله المعروف أو تحوّل إلى تعليم إلكتروني، فإن هذا النظام الرائع يبقى رافداً مهماً من روافد التعليم الجامعي بالمملكة في جامعة المؤسس وبقية الجامعات السعودية التي بدأ الانتساب فيها في وقت لاحق بعد جامعة المؤسس، إذ توفر هذه الجامعات جميعاً تخصصات عدة في كليات عدة تتصدرها الإدارة والآداب. وقد برهن كثير من خريجي الانتساب على مدى عشرات السنين أن خريج الانتساب المجتهد لا يقل مستواه العلمي ولا تأهيله عن خريج الانتظام، وتبوأ كثير من المنتسبين مناصب علمية وإدارية رفيعة، وأكمل كثير منهم دراسته العليا وأصبحوا أساتذة جامعيين مرموقين، وفي ظل محدودية مقاعد الانتظام في الجامعات اليوم، يبقى التعليم عن بعد مجالاً خصباً وباباً مفتوحاً لقبول آلاف الطلاب في كثير من التخصصات.